السُّنَّة؛ يعني: ما كان لها أصل من السُّنَّة ترجع إليه، وإنما هي بدعة لغة لا شرعًا لموافقتها السُّنَّة. وقد روي عن الشافعي كلام آخر يفسر قوله الأول وذلك أنه قال: "المحدثات ضربان: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سُنَّة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة، وما أحدث فيه من الخير، لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة" (?).
ويزداد هذا المعنى توضيحًا بقول آخر: "فالبدعة الحقيقية هي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا سُنَّة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم، لا في الجملة ولا في التفصيل، ولذلك سميت بدعة لأنها شيء مخترع على غير مثال سابق، وإن كان المبتدع يأبى أن ينسب إليه الخروج عن الشرع، إذ هو مدع أنه داخل بما استنبط تحت مقتضى الأدلة. لكن تلك الدعوى غير صحيحة لا في نفس الأمر ولا بحسب الظاهر، أما بحسب نفس الأمر فبالعرض، وأما بحسب الظاهر فإن أدلته شُبه ليست بأدلة" (?).
ومن هذا العرض المختصر لتعريفات السلف للبدعة يتبين كيف أن الابتداع والتجديد ضدان لا يجتمعان. ففي حين أن الابتداع اختراع وابتداء، فالتجديد إعادة وإحياء، وفي حين أن الابتداع إحداث لما ليس له أصل في الدين لا في نصوصه ولا قواعده الكلية أو مقاصده العامة، فالتجديد تشييد لصرح الحياة على أصول الدين وبناء شعبه على أسسه، وإعمال لنصوص الشرع وقواعده الكلية، وتحقيق لمقاصده العامة. وفي حين أن الابتداع إلصاق ما ليس من الدين به، وإدخال عنصر غريب فيه، فإن التجديد تنقية للدين من العناصر الدخيلة، وإبقاء للأصيل فيه.
وإذا كان التجديد تصحيحًا للدين، فالابتداع تحريف للدين بل هو من أكبر أنواع التحريف للدين، ذلك أن الابتداع لا تحمل لواءه العناصر الخارجية المعادية للدين، فإن هذه العناصر -لعداء المسلمين الصارخ لها- يسهل كشفها وتعريتها، ولكن الابتداع لا يروج ولا تقوم له سوق إلا على يد من ينتمي إلى المسلمين، ولأنه ينتسب إلى الدين فهو لذلك يكون أبعد أثرًا ويبلغ ما لا يبلغه