فلله ما أحوج الدين لهذا القلب الحاضر والفؤاد اليقظان والعقل المسلم، الذي يجعل الدين الموجه لكل شيء، والحاكم على كل شيء، والمنبع لكل معرفة، والأصل لكل علم، والأساس لكل نظام، والمصدر لكل تشريع.
التجديد يناقض الابتداع:
ومن تعريفات السلف للتجديد هذا التعريف: "يجدد الدين؛ أي: يبين السُّنَّة من البدعة، ويكثر العلم ويعز أهله، ويقمع البدعة ويكسر أهلها" (?).
وهذا التعريف للتجديد يشير إلى أمر هام في مفهوم التجديد عند السلف. فالتجديد من هذا القول يضاد الابتداع. وكل من المفهومين الابتداع والتجديد على طرفي نقيض. فما هو الابتداع؟
جاء في شرح الابتداع هذا القول: "أصل مادة بدع للاختراع على غير مثال سابق ومنه قول الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117]؛ أي: مخترعهما على غير مثال سابق متقدم. وقوله تعالى: {مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]؛ أي: ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد بل تقدمني كثير من الرسل. ويقال: ابتدع فلان بدعة؛ يعني: ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق" (?).
وجاء أيضًا: "والمراد بالبدعة ما حدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعة لغة. فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل في الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال. وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية. وقد قال الشافعي: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السُّنَّة فهو محمود، وما خالف السُّنَّة فهو مذموم. ومراد الشافعي أن أصل البدعة المذمومة ما ليس لها أصل في الشريعة ترجع إليه، وهي البدعة في إطلاق الشرع، وأما البدعة المحمودة فما وافق