شؤون الحياة الأخرى وجهة النظر الغربية بحذافيرها. وإذا كانت العلمانية قد انسلخت من الدين علانية، فإن العصرانية -وهي الحل الثالث في مواجهة الإسلام للغرب- وقفت في منتصف الطريق، لا إلى الإسلام بكليته، ولا إلى الغرب بكليته، فهي تؤمن ظاهرًا بالإسلام منهجًا شاملًا للحياة، وتمتلئ جوانحها بحب الغرب وقيمه، فما عارض قيم الغرب وأذواقه أعملت فيه يد التأويل، وما كان من أهواء العصر أدخلته في صلب الدين.
وإذا كان الجمود والعلمانية والعصرانية حلولًا خاطئة في مواجهة الغرب، فإن الحل الوحيد الصحيح هو التجديد السُّنِّي للدين، ذلك التجديد الذي يسعى لإحياء الإسلام نقيًا صافيًا من مساوئ الماضي وانحرافاته ومن أهواء العصر وجاهليته.
وتباشير التجديد السُّنِّي في هذا العصر كثيرة تحملها حركات شتى، فهناك حركة الجماعات الإسلامية التي لا يكاد يخلو منها قطر إسلامي، وهناك حركة الاقتصاد الإسلامي والمؤسسات المالية الإسلامية، وهناك حركة الجامعات الإسلامية والتعليم الإسلامي، وحركة القوانين الإسلامية، وحركة الإعلام الإسلامي، وحركة الجهاد والتغيير السياسي الإسلامي. ومهما بدا بعض هذه الحركات ضعيفًا متعثرًا فإن المد الإسلامي سائر في طريقه الموعود بإذن الله، والخطر الأكبر أمام هذا المد هو ذلك الزبد الذي يعلوه والغثاء الذي حاول أن يركب الموجه: هو العصرانية.
إن التجديد السُّنِّي قد أعلن الحرب على أنصار الجمود على القديم، وأعلن الحرب على العلمانية، لكن حربه للعصرانية لا تزال ضعيفة، ربما لأن العصرانيين يتسمون باسمه ويتكلمون بلسانه، ولكن ساعة الصفر قد حانت، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وإلا فإن البعث الإسلامي المعاصر سيكون بعثًا ممسوخًا مشوهًا، قبيح الوجه، كثير الدخن والانحرافات.
إن التجديد السُّنِّي هو الذي تتجدد به حياة هذه الأمة، وهو الروح الذي إذا فقدته الأمة فقدت كل خير، وهو شبيه بمهمة الأنبياء السابقين، فقد كان الله يبعث بعد كل فترة وبرهة رسولًا يجدد ما اندرس من الدين الحق، ويمحو الدين المبدل والمحرف. وبما أن الرسالة قد ختمت بخير الرسل محمد صلوات الله