الخاتمة

وهكذا ينتهي هذا البحث إلى أن للتجديد مفهومين: صحيح وخاطئ.

أما المفهوم السليم فهو المفهوم السُّني الذي كان يرمي إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"، وأحق من أدرك هذا المفهوم هم السلف. وبالنظر في آرائهم وتعريفاتهم يتضح أن التجديد الحق هو السعي للتقريب بين واقع المجتمع المسلم في كل عصر وبين المجتمع النموذجي الأول الذي أنشأه الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وكما يكون ذلك بإحياء مفاهيم ذلك المجتمع وتصوراته للدين، وإحياء مناهجه في فهم النصوص وبيان معانيها، وإحياء مناهجه في التشريع والاجتهاد، وإحياء مناهجه في تدوين العلوم وتكوين نظم الحياة واقتباس النافع الصالح من كل حضارة، يكون أيضًا بتصحيح الانحرافات النظرية والفكرية والعملية والسلوكية وتنقية المجتمع من شوائبها.

أما مفهوم التجديد الخاطئ فهو ذلك المفهوم الذي تقدمه العصرانية، وهو الذي شاع في هذا العصر كأثر من آثار مواجهة الإسلام للحضارة الغربية. وتسعى العصرانية لتقديم خليط من الإسلام ومن جاهلية الغرب، وتجتهد في إيجاد المواءمة بينهما، وتعتمد في ذلك أسلوب التأويل والتحوير لتعاليم الإسلام، وأسلوب التنازلات والتسويغ باسم الاجتهاد.

إن الصراع بين الإسلام والحضارة الغربية المعاصرة خلال القرنين الماضيين أنتج أربعة مواقف منها ثلاثة خاطئة. فعلى طرفي نقيض نجد موقف الرفض الكامل للحضارة الغربية والجمود على القديم بكل مساوئه، ويقابل ذلك موقف العلمانية التي تجعل الإسلام محصورًا في دوائر ضيقة، وتتقبل في كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015