ولأن مصطلح التجديد نشأ عن الحديث النبوي المروي في ذلك، فإن كتب الحديث التي خرّجت هذا الحديث وشروحها قد تضمنت طائفة من الآراء حول التجديد، ومن تلك الكتب كتاب سنن أبي داود (ت 275 هـ) وشروحه، وكتاب جامع الأصول لابن الأثير (544 - 606 هـ)، وكتاب الجامع الصغير للسيوطي وشروحه.

أما كتب التراجم والطبقات فقد كانت المجال الثاني الذي أبرز فيه السلف فكرتهم عن التجديد، وذلك عند تناولهم لسيرة أحد المجددين، ومن الأمثلة على ذلك كتاب ترجمة أبي الحسن الأشعري لابن عساكر (499 - 571 هـ) وعنوانه: "تبيِّين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أَبو الحسن الأشعري"، وكتاب "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (727 - 771 هـ)، وكتاب ترجمة الإمام الشافعي للإمام ابن حجر وعنوانه: "توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس"، وكذلك قد ذكر أن زين الدين العراقي (725 - 806 هـ) قد تناول هذا الموضوع في ترجمته للغزالي في أول تخريجه لأحاديث كتاب "إحياء علوم الدين" (?).

وغني عن الذكر أن هذه الكتب والاقتباسات التي تضمها ليست هي المواضع الوحيدة التي أتيح فيها للسلف أن يتحدثوا عن التجديد، فقد مس بعضهم الموضوع مسًا عابرًا هنا وهناك في ثنايا كتاباتهم، ومن أمثلة ذلك ابن كثير (774 هـ) كتب سطورًا عن ذلك في كتابه "شمائل الرسول ودلائل النبوة". وقد كان هذا الاقتضاب في تناول هذه القضية هو الطابع العام لكتابات السلف عن التجديد، وأكثر كتاباتهم لا تتجاوز ورقات قليلة.

وكذلك كانت عنايتهم موجهة في المقام الأول إلى بيان آرائهم حول من يصلح أن يحوز لقب مجدد. وتذكر المصادر أن الاهتمام بهذه الناحية قد وجد منذ زمن مبكر عند السلف؛ فالإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت 124 هـ) مثلًا قد أبدى رأيه فيمن هو مجدد القرن الأول، وشاع عنه هذا الرأي حتى أنه ليعد من أوائل الذين أثاروا الاهتمام بهذا الأمر. والإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) يسوق مروياته لحديث التجديد بطرقها المختلفة، ثم يذكر من يرى أنه مجدد القرن الأول ومجدد القرن الثاني. وكل هذا يشعر أن الحديث كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015