كان الحل والجواز يمثل هذه الأهمية، فكيف تكون السُّنَّة التي تدل على هذا الحل وهذه الإباحية سُنَّة غير تشريعية؟
الحجة الثانية: خطط الرسول الحربية:
وقد استدل على تقسيم السُّنَّة إلى تشريعية وغير تشريعية بحادثة مشورة الحباب بن المنذر في غزوة بدر حين قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل ثم أشار عليه بأن ينزل منزلًا آخر (?).
وقد جعلت هذه الحادثة دليلًا على أن تدبير الحروب من أقسام السُّنَّة غير التشريعية، وتأتي على هذا الاستدلال اعتراضات أساسية:
1 - الحادثة نفسها غير ثابتة، فقد رواها ابن هشام في سيرته وفي روايته لها جهالة، ورواها الحاكم وفي سندها من لا يعرف، وقال عنها الذهبي: حديث منكر، وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية وفي رواتها متهم (?). وإذا كانت الحادثة غير ثابتة فلا تقوم بها حجة.
2 - وعلى فرض صحة ثبوت الحادثة فما وجه الدليل فيها؟ هل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صدر فيها عن رأيه من غير وحي، ولهذا فهي سُنَّة غير تشريعية، أم لأنه استشار أصحابه في الأمر ونزل عن رأيه لرأيهم.
فعلى الصحيح من رأي العلماء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد برأيه أحيانًا، من غير وحي، في بعض أحكام الشرع، وأحيانًا كان يشاور أصحابه في أمور لا يشك أنها من الأمور الدينية. فقد روي "أنه شاور أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- في مفاداة الأسارى يوم بدر، فأشار عليه أبو بكر بأن يفادي بهم ومال رأيه إلى ذلك حتى نزل قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)} [الأنفال: 68]. ومفاداة الأسير بالمال جوازه وفساده من أحكام الشرع ومما هو