الحديث، إلا أن الطريقة التي يستخدم بها سيد خان هذه القواعد، والحرية الواسعة التي يمارس بها استعمالها، تختلف اختلافًا جوهريًا عن طريقة علماء الحديث.
"نعم إن العلماء -رحمهم الله- لم يستعملوا تلك المقاييس إلا في النطاق الذي لابد منه، فلم يردوا حديثًا إلا بعد تعذر التأويل بحيث يتحقق فيه على وجه التأكيد فقد شرط من شروط الصحة ووجود علامة من علامات الوضع، وقد جعلوا عمدتهم الأولى نقد السند وبه أزاحوا من طريق السُّنَّة آلافًا بل عشرات الألوف من الأحاديث المكذوبة، ثم نقدوا المتن في الحدود التي ذكرناها على نطاق ضيق إذ كانوا متثبتين، لا يلقون الكلام على عواهنه ولا يجازفون في دين الله بالهوى والعاطفة.
وعذر العلماء -رحمهم الله- واضح فيما فعلوه، ذلك بأنهم إنما يبحثون في أحاديث تنسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وللنبي ظروف خاصة به تجعل مقاييس النقد في حديثه أدق وأصعب من مقياس النقد في أحاديث الناس؛ لأنه رسول يتلقى الوحي من الله أوتي جوامع الكلم وأعطي سلطة التشريع، وأحاط من أسرار الغيب بما لم يحط به إنسان عادي.
ومن هنا ضيّق علماؤنا دائرة نقد المتن بمقدار ما وسعوا في دائرة نقد السند؛ لأن الذين ينقد حالهم في السند رجال يجري عليهم من القوانين ما يجري على الناس جميعًا، أما المتن فإنه كلام ينسب إلى من هو فوق البشرية في علومه ومعارفه واستعداده.
فقد يخرج كلامه مخرج المجاز لا الحقيقة -كما فعل القرآن كثيرًا- فيتوهم من ينظر فيه لأول مرة أنه غير صحيح، بينما المراد منه غير حقيقته اللغوية التي تتبادر إلى الذهن.
وقد يخرج كلامه مخرج الإخبار عن المغيبات التي تقع في مستقبل الزمان، ولم يكن وقت النقد قد حان زمن تحققها فلا يصح التسرع في الإنكار.
وقد يخرج كلامه مخرج الإخبار عن حقائق علمية، لم تكتشف في عصر الرسالة ولا في عصور الناقدين، وإنما تكتشف فيما بعد كحديث ولوغ الكلب في الإناء فقد أثبت العلم الحديث صحة ما جاء فيه، بينما عدها علماؤنا من قبل من الأمور التعبدية التي لا يحيط الناس بمعناها وحكمتها.