ولكن ينبغي فهم النص القرآني من خلال معرفتنا وتجاربنا الذاتية. . . لأنه من مزايا القرآن الفذة أنه كلما ازدادت معرفتنا بهذا العالم وازدادت تجاربنا؛ تكشفت لنا آياته عن معان ثرة جديدة لم تخطر من قبل، وقد يختلف فهمنا لآية من القرآن مع فهم المفسرين الأوائل، وقد يكون هذا الاختلاف حادًا وواسعًا أحيانًا، بل ومتناقضًا مع آراء من سبقونا. ولا غبار في ذلك لأن المفسرين الأوائل فهموا نصوص القرآن على ضوء اللغة والسُّنَّة، جنبًا إلى جنب مع المعارف العامة المتاحة لهم، وما تجمع لدى المجتمع الإنساني حتى عصرهم من تجارب عامة".
إن التأمل في هذه العبارة وتحليلها يبعث في الذهن تساؤلين: ما الأساس الذي يعتمد عليه في فهم القرآن في كل عصر؟ وهل لازدياد المعرفة البشرية المستفادة من تجارب البشر الذاتية أثر في تفسير القرآن؟
أما الأساس الذي يعتمد عليه في فهم القرآن في كل عصر فما زال أصحاب الفكر المستقيم في كل عصر خلال أربعة عشر قرنًا يرون "أن الطريق المستقيم لتأويل القرآن وتفسير آياته هو أن يتفكر المرء في كلماته وصيغ الآية التي يريد أن يعرف معناها، من حيث اللغة أولًا ثم يضعها في سياقها، ثم يراجع ما ورد في مختلف مواضع القرآن من الآيات المتعلقة بنفس مضمونها، ويرى أي تفسير من تفاسيرها المتعددة المحتملة ينسجم مع هذه الآيات وأيها مخالف لما ورد فيها من المضمون، وبديهي أن قولًا لأحد إذا كان يحتمل تفسيرين أو أكثر فما العبرة إلا بتفسير هو على انسجام مع ما له من التصريحات الأخرى عن مضمون قوله. فإذا بذل المرء محاولته لمعرفة معنى القرآن بالقرآن إلى هذا الحد، فلينظر أي معنى يتقرر للآية قيد الدراسة على ضوء أقوال وأفعال من جاء بالقرآن -أي: محمد - صلى الله عليه وسلم --، وبأي وجه فسرها أولئك الذين كانوا من أتباعه في أقرب عصر لحياته.
إن أهمية السُّنَّة في تفسير القرآن تأتي من أن القرآن كتاب منزل من عند الله تعالى على محمد - صلى الله عليه وسلم -، ليبينه للناس ويعلمهم إياه، وحينئذ لابد من الاعتراف بأن مفهومه السليم الموثوق به هو ما أدركه - صلى الله عليه وسلم - (?).