كتب المتفلسفة من المسلمين وبعثت حية في هذا العصر باسم التجديد. والذي يغيب عن ذكاء هؤلاء الأذكياء أنهم يعتمدون في فهمهم لأمور الغيب على ما تدركه حواسهم، فهل يكون الحس والتجربة والملاحظة مصدرًا من مصادر معرفة الغيب؟ إن مسائل الغيب لا تدخل في دائرة اختصاص الحس والتجربة ولا يمكن نفيها أو إثباتها بهذا الطريق. إن المصدر الوحيد المتاح للبشر لمعرفة أمور الغيب هو الخبر الصادق عن طريق الأنبياء، وللمرء كامل الحرية أن يعلن كفره وإلحاده بتلك الأخبار ويخرج نفسه من دائرة المسلمين، ولكن لا يمكن أن يدخل نفسه في زمرة المسلمين ثم يفهم ويأول أخبار الأنبياء كيف شاء، في ضوء المعارف البشرية القاصرة المحدودة، ومهما كدّ ذهنه فإن تأويلاته لا تعدو أن تكون خيالات محضة مثل الروايات العلمية Science fiction، فهل يمكن أن تحل الروايات الأدبية محل حقائق العلم؟
ولهذا فما زال المؤمنون بأخبار الأنبياء في كل أمة يؤمنون بالوحي وبالملائكة، والجن والشياطين، وصفات الجنة والنار، كما جاءت صفاتها في هذه النصوص والأخبار، ويعدونها حقائق يقينية وليست رموزًا وأمثلة. فما جاءت به النصوص عن الوحي وكيفيته، وعن الملائكة وطبيعتهم، وحقيقة خلقهم وصفاتهم، وأصنافهم وأفعالهم، وعن الجن وماهيتهم وخصائصهم ومهامهم، وعن أنواع النعيم والعذاب الحسية والنفسية، كل ذلك وصف حقيقي لأمور واقعة، ويفهم بمعانيه المباشرة الظاهرة (?)؛ لأن تلك هي الطريقة العلمية الوحيدة، لمعرفة الإنسان بعالم الغيب الرحيب، التي لا تقوم على الحدس والتخمين.
يتلخص منهج العصراية في التفسير في العبارة التالية (?):
"في ضوء الظروف الجديدة وتوسع المعرفة الإنسانية، لا يمكنك الاعتماد في فهم القرآن على التفاسير القديمة، التي اشتملت على كثير من الخرافات.