فمن هذه الآية يتضح بجلاء لا لبس فيه أن تجديد الخلق هو بعثه وإحياؤه وإعادته.
ويتكرر هذا المعنى في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)} [سبأ: 7]. يقول القرطبي في شرح هذه الآية: أي هل نرشدكم إلى رجل ينبئكم ويقول لكم أنكم مبعوثون بعد البلى في القبور. ومعنى مزقتم كل ممزق: أي: فرقتم كل تفريق، والمزق خرق الأشياء (?).
وفي قوله تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة: 10] يقول القرطبي: ضللنا أصله من قول العرب ضل الماء في اللبن إذا ذهب، والعرب تقول للشيء غلب عليه غيره حتى خف فيه أثره: قد ضل (?)، فتجديد الخلق هنا أيضًا هو إحياؤه وبعثه بعد أن ذهب وعفا أثره واندرس.
وفي معنى هذه الآية أيضًا قوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)} [ق: 15]، وهذا توبيخ لمنكري البعث يقال: عييت بالأمر إذا لم تعرف وجهه (?)؛ فالله -عز وجل- لم يعجز عن خلق الناس أول مرة، فكيف يعجز عن إحيائهم ثانية. {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}؛ أي: في حيرة من البعث. ففي هذه الآية إشارة إلى المراحل الثلاث: خلق أول وحياة أولى، ثم موت وبلى، ثم بعث وإحياء، وإعادة وتجديد، فإذا الخلق خلق جديد.
كلمة تجديد في الحديث:
بين أيدينا بعض الأحاديث التي جاء فيها استعمال كلمة تجديد (?).
الأول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الايمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب؛ فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم" (?).