[البقرة:5] يَقُولُ: هُمُ الْبَاقُونَ الْمُنْجَحُونَ بِإِدْرَاكِهِمْ مَا طَلَبُوا، وَالْتَمَسُوا بِبَيْعَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَطَاعَتِهِمْ رَبَّهُمْ." (?)
وقال ابن كثير:" قَالَ تَعَالَى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أَيْ: لَا يُوَادُّونَ الْمُحَادِّينَ وَلَوْ كَانُوا مِنَ الْأَقْرَبِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آلِ عِمْرَانَ:28] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التَّوْبَةِ:24]
وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} إِلَى آخِرِهَا فِي أَبِي عُبَيْدَةَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ، حِينَ قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ جُعِلَ الْأَمْرُ شُورَى بَعْدَهُ فِي أُولَئِكَ السِّتَّةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:"وَلَوْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَيًّا لَاسْتَخْلَفْتُهُ".
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} نَزَلَتْ فِي أَبِي عُبَيْدَةَ قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ بَدْرٍ {أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} فِي الصِّدِّيقِ، هَمَّ يَوْمَئِذٍ بِقَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، {أَوْ إِخْوَانَهُمْ} فِي مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَوْمَئِذٍ {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} فِي عُمَرَ، قَتَلَ قَرِيبًا لَهُ يَوْمَئِذٍ أَيْضًا، وَفِي حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَتَلُوا عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ يَوْمَئِذٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حِينَ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَأَشَارَ الصِّدِّيقُ بِأَنْ يُفَادُوا، فَيَكُونُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ قُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ. وَقَالَ عُمَرُ: لَا أَرَى مَا رَأَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ تُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ-قَرِيبٍ لِعُمَرَ-فَأَقْتُلَهُ، وَتُمَكِّنُ عَلَيًّا مِنْ عَقِيلٍ، وَتُمَكِّنُ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ، لِيَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ ... الْقِصَّةَ بِكَامِلِهَا.