هدايته، فهؤلاء ضلوا حيث زعموا في شركائهم النفع ودفع الضر، فتبين حينئذ ضلالهم. (?)

إن قضاء الله لا يرد، ومشيئته لا معقب عليها «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ» .. فإذا علم الله من حقيقة العبد أنه مستحق للضلال، فحقت عليه كلمة الله أن يكون من أهل الضلال، لم يكن له بعد ذلك من ولي يهديه من ضلاله، أو ينصره من جزاء الضلال الذي قدره الله .. والذي يعرض منه مشهدا في بقية الآية: «وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ: هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ، وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ، يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ» ..

والظالمون كانوا طغاة بغاة، فناسب أن يكون الذل هو مظهرهم البارز في يوم الجزاء. إنهم يرون العذاب، فتتهاوى كبرياؤهم. ويتساءلون في انكسار: «هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ؟» في هذه الصيغة الموحية باليأس مع اللهفة، والانهيار مع التطلع إلى أي بارقة للخلاص. وهم يعرضون على النار «خاشِعِينَ» لا من التقوى ولا من الحياء، ولكن من الذل والهوان! وهم يعرضون منكسي الأبصار، لا يرفعون أعينهم من الذل والعار: «يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ» .. وهي صورة شاخصة ذليلة.

وفي هذا الوقت يبدو أن الذين آمنوا هم سادة الموقف فهم ينطقون ويقررون: «وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا: إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» .. وهم هؤلاء الذين خسروا كل شيء، والذين يقفون خاشعين من الذل يقولون: هل إلى مرد من سبيل؟

ويجيء التعليق العام على المشهد بيانا لمآل هؤلاء المعروضين على النار: «أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ. وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ» .. فقد عدم النصير، وقد أغلق السبيل. (?)

------------

طور بواسطة نورين ميديا © 2015