الخَاسِرِينَ أَعْظَمَ الخَسَارَةِ هُمْ الذِينَ يَصِيرُونَ إِلَى النَّارِ فَيُنْسِيهِمُ العَذَابُ فِيهَا لَذَائِذَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ فَيَخْسَرُونَهُمْ. أَلاَ إِنَّ الكَافِرِينَ لَفِي عَذَابٍ دَائِمٍ لاَ يَفْتُرُ وَلاَ يَتَوَّقَفُ وَلاَ يَنْقَطِعُ.
وَلاَ يَجْدُ هَؤُلاَءِ الكَافِرُونَ، الظَّالِمُونَ أَنْفُسَهمْ، مَنْ يَنْصُرُهُمْ وَيُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ الذِي نَزَلَ بِهِمْ. وَمَنْ يُضْلِلْهُ اللهُ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ إِلَى الوُصُولِ إِلَى الحَقِّ والهُدَى فِي الدُّنْيَا، وَلاَ فِي الوُصُولِ إِلَى الجَنَّةِ فِي الآخِرَةِ. (?)
يخبر تعالى أنه المنفرد بالهداية والإضلال، وأنه {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ} بسبب ظلمه {فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ} يتولى أمره ويهديه. {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} مرأى ومنظرا فظيعا، صعبا شنيعا، يظهرون الندم العظيم، والحزن على ما سلف منهم، و {يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} أي: هل لنا طريق أو حيلة إلى رجوعنا إلى الدنيا، لنعمل غير الذي كنا نعمل، وهذا طلب للأمر المحال الذي لا يمكن.
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي: على النار {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} أي: ترى أجسامهم خاشعة للذل الذي في قلوبهم، {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي: ينظرون إلى النار مسارقة وشزرا، من هيبتها وخوفها.
{وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا} حيث ظهرت عواقب الخلق، وتبين أهل الصدق من غيرهم: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ} على الحقيقة {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} حيث فوتوا أنفسهم جزيل الثواب، وحصلوا على أليم العقاب وفرق بينهم وبين أهليهم، فلم يجتمعوا بهم، آخر ما عليهم. {أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ} أنفسهم بالكفر والمعاصي {فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} أي: في سوائه ووسطه، منغمرين لا يخرجون منه أبدا، ولا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} كما كانوا في الدنيا يمنون بذلك أنفسهم، ففي القيامة يتبين لهم ولغيرهم أن أسبابهم التي أملوها تقطعت، وأنه حين جاءهم عذاب الله لم يدفع عنهم. {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} تحصل به