يصدر منهم، مما لا يليق بعظمة ربهم وكبريائه، مع أنه تعالى هو {الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الذي لولا مغفرته ورحمته، لعاجل الخلق بالعقوبة المستأصلة.
وفي وصفه تعالى بهذه الأوصاف، بعد أن ذكر أنه أوحى إلى الرسل كلهم عموما، وإلى محمد - صلى الله عليهم أجمعين- خصوصا، إشارة إلى أن هذا القرآن الكريم، فيه من الأدلة والبراهين، والآيات الدالة على كمال الباري تعالى، ووصفه بهذه الأسماء العظيمة الموجبة لامتلاء القلوب من معرفته ومحبته وتعظيمه وإجلاله وإكرامه، وصرف جميع أنواع العبودية الظاهرة والباطنة له تعالى، وأن من أكبر الظلم وأفحش القول، اتخاذ أنداد لله من دونه، ليس بيدهم نفع ولا ضرر، بل هم مخلوقون مفتقرون إلى الله في جميع أحوالهم، ولهذا عقبه بقوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يتولونهم بالعبادة والطاعة، كما يعبدون الله ويطيعونه، فإنما اتخذوا الباطل، وليسوا بأولياء على الحقيقة. {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} يحفظ عليهم أعمالهم، فيجازيهم بخيرها وشرها. {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} فتسأل عن أعمالهم، وإنما أنت مبلغ أديت وظيفتك.
ثم ذكر منته على رسوله وعلى الناس، حيث أنزل الله {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} بين الألفاظ والمعاني {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} وهي مكة المكرمة {وَمَنْ حَوْلَهَا} من قرى العرب، ثم يسري هذا الإنذار إلى سائر الخلق. {وَتُنْذِرَ} الناس {يَوْمَ الْجَمْعِ} الذي يجمع الله به الأولين والآخرين، وتخبرهم أنه {لا رَيْبَ فِيهِ} وأن الخلق ينقسمون فيه فريقين {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ} وهم الذين آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين، {وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} وهم أصناف الكفرة المكذبين. {و} مع هذا {لَوْ شَاءَ اللَّهُ} لجعل الناس، أي: جعل الناس {أُمَّةً وَاحِدَةً} على الهدى، لأنه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء، ولكنه أراد أن يدخل في رحمته من شاء من خواص خلقه.
وأما الظالمون الذين لا يصلحون لصالح، فإنهم محرومون من الرحمة، فـ {مَا لَهُمْ} من دون الله {مِنْ وَلِيٍّ} يتولاهم، فيحصل لهم المحبوب {وَلا نَصِيرٍ} يدفع عنهم المكروه.
والذين {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يتولونهم بعبادتهم إياهم، فقد غلطوا أقبح غلط. فالله هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته، والتقرب إليه بما أمكن من أنواع التقربات، ويتولى