شباب أهل المدينة! وقال: «لو نعلم قتالا لاتبعناكم!» فدل بهذا على أن قلبه لم يخلص للعقيدة وأن شخصه ما يزال يملأ قلبه، ويطغى في ذلك القلب على العقيدة .. العقيدة التي لا تحتمل شركة في قلب صاحبها، ولا تطيق لها فيه شريكا! فإما أن يخلص لها وحدها، وإما أن تجانبه هي وتجتويه! «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا، وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..
وهاتان الطائفتان - كما ورد في الصحيح - من حديث سفيان بن عيينة - هما بنو حارثة وبنو سلمة. أثرت فيهما حركة عبد الله بن أبيّ، وما أحدثته من رجة في الصف المسلم، من أول خطوة في المعركة. فكادتا تفشلان وتضعفان. لولا أن أدركتهما ولاية الله وتثبيته، كما أخبر هذا النص القرآني: «وَاللَّهُ وَلِيُّهُما» ..
قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ فِينَا نَزَلَتْ (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا) قَالَ نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلِمَةَ، وَمَا نُحِبُّ - وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً وَمَا يَسُرُّنِى - أَنَّهَا لَمْ تُنْزَلْ لِقَوْلِ اللَّهِ (وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا) (رواه البخاري) .. (?)
وهكذا يكشف الله المخبوء في مكنونات الضمائر والذي لم يعلمه إلا أهله، حين حاك في صدورهم لحظة ثم وقاهم الله إياه، وصرفه عنهم، وأيدهم بولايته، فمضوا في الصف .. يكشفه لاستعادة أحداث المعركة، واستحياء وقائعها ومشاهدها. ثم .. لتصوير خلجات النفوس، وإشعار أهلها حضور الله معهم، وعلمه بمكنونات ضمائرهم - كما قال لهم: «وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» - لتوكيد هذه الحقيقة وتعميقها في حسهم. ثم لتعريفهم كيف كانت النجاة وإشعارهم عون الله وولايته ورعايته حين يدركهم الضعف، ويدب فيهم الفشل، ليعرفوا أين يتوجهون حين يستشعرون شيئا من هذا وأين يلتجئون. ومن ثم يوجههم هذا الوجه الذي لا وجه غيره للمؤمنين: «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..
على وجه القصر والحصر .. على الله وحده فليتوكل المؤمنون. فليس لهم - إن كانوا مؤمنين - إلا هذا السند المتين. وهكذا نجد في الآيتين الأوليين، اللتين يستحضر بهما القرآن