فكل عملكم تحت بصره - سبحانه - يرى مداخله ومخارجه، ومقدماته ونتائجه، وبواعثه وآثاره.
وكما أن المجتمع المسلم مجتمع عضوي حركي متناسق متكافل متعاون يتجمع في ولاء واحد، فكذلك المجتمع الجاهلي: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» ..
إن الأمور بطبيعتها كذلك - كما أسلفنا. إن المجتمع الجاهلي لا يتحرك كأفراد إنما يتحرك ككائن عضوي، تندفع أعضاؤه، بطبيعة وجوده وتكوينه، للدفاع الذاتي عن وجوده وكيانه. فهم بعضهم أولياء بعض طبعا وحكما .. ومن ثم لا يملك الإسلام أن يواجههم إلا في صورة مجتمع آخر له ذات الخصائص، ولكن بدرجة أعمق وأمتن وأقوى. فأما إذا لم يواجههم بمجتمع ولاؤه بعضه لبعض، فستقع الفتنة لأفراده من المجتمع الجاهلي - لأنهم لا يملكون مواجهة المجتمع الجاهلي المتكافل أفرادا - وتقع الفتنة في الأرض عامة بغلبة الجاهلية على الإسلام بعد وجوده. ويقع الفساد في الأرض بطغيان الجاهلية على الإسلام وطغيان ألوهية العباد على ألوهية الله ووقوع الناس عبيدا للعباد مرة أخرى. وهو أفسد الفساد: «إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ» ..
ولا يكون بعد هذا النذير نذير، ولا بعد هذا التحذير تحذير .. والمسلمون الذين لا يقيمون وجودهم على أساس التجمع العضوي الحركي ذي الولاء الواحد والقيادة الواحدة، يتحملون أمام الله - فوق ما يتحملون في حياتهم ذاتها - تبعة تلك الفتنة في الأرض، وتبعة هذا الفساد الكبير. (?)
- - - - - - - - - - - -