مُخْلِصُونَ فِيمَا يَقُولُونَ، وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِيمَا يَقُولُونَ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْتَقِدُونَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ صِدْقَهُ.
وَقَدْ هَيأَ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً يَصْلَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مُعَادَاةِ الرَّسُولِ وَالمُؤْمِنينَ وَغِشِّهمْ، وَعَلَى مُوَالاَتِهِم الكُفَّارَ وَمُنَاصَحَتِهِمْ، وَسَاءَ عَمَلُهُمْ هَذَا.
أَظْهَرُوا الإِيْمَانَ، وَأَبْطَنُوا الكُفْرَ، وَتَسَتَّرُوا بِالإِيْمَانِ الكَاذِبِ، فَظَنَّ مَنْ لاَ يَعْرِفُ حَقيقَةَ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ صَادِقُونَ، فَاغْتَرَّ بِهِمْ، وَتَمَكَّنُوا بِذَلِكَ مِنْ صَدِّ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الإِسْلاَمِ، فَلهُمْ عِنْدَ اللهِ عَذَابٌ مُهِينٌ مُذِلٌّ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ، وَعَلَى حَلْفِهِمْ بِاسْمِ اللهِ العَظِيمِ كَذِباً وَرِيَاءً.
وَلَنْ يَنْفَعَ هَؤُلاءِ المُنَافِقِينَ عِنْدَ اللهِ شَيءٌ مِمَا ظَنُّوهُ نَافِعاً لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَمِنْ وَلَدٍ، وَلَنْ يَدْفَعَ شَيءٌ عَنْهُمْ عَذَابَ اللهِ وَنَقْمَتَهُ، فَلاَ المَالُ مَقْبُولٌ مِنْهُمْ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنَ العَذَابِ، وَلاَ الأَوْلاَدُ قَادِرُونَ عَلَى نَصْرِهِمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ، وَسَيَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ نَارِ جَهَنَّمَ وَمِنْ أَصْحَابِهَا، وَيَبْقَونَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً.
وَاذْكُرْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ حَالَهُمْ، يَوْمَ القِيَامَةِ، حِينَمَا يَبْعَثُهُم اللهُ جَمِيعاً مِنْ قُبُورِهِمْ، فَلاَ يُغَادِرُ مِنْهُمْ أَحَداً، فَيَحْلِفُونَ لَهُ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الهُدَى، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُشْرِكُوا بِعِبَادَتِهِ شَيئاً، فَيَقُولُونَ {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ اليَوْمَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ حَلْفَهُمْ أَمَامَ اللهِ نَافِعُهُمْ عِنْدَهُ، كَمَا كَانَ يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ العِبَادِ حَلْفُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ.
وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَؤُلاَءِ المُنَافِقِينَ مُنْكِراً تَصَرُّفَهُمْ هَذَا، فَيَقُولُ: أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكَاذِبُونَ فِيمَا يَحْلِفُونَ عَلَيْهِ، وَفِيمَا يَظُنُّونَهُ مِنْ أَنَّ أَيْمَانَهُمُ الكَاذِبَةَ تَرُوجُ عِنْدَ اللهِ، وَتُنْقِذُهُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَعَذَابِهِ.
استَوْلَى الشَّيْطَانُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَسَيْطَرَ عَلَيهَا بِوَسْوَسَتِهِ، حَتَّى أَنْسَاهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَأَنْ يَتَّبِعُوا أَوَامِرَهُ، وَأَنْ يَجْتَنِبُوا نَوَاهِيَهُ، بِمَا زَيِّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مِنَ الشَّهَوَاتِ، فَهَؤُلاَءِ