يتركنا سبحانه لهذه الظنون، ولكنه أرسل لنا الرسل بمنهج واضح، من أجل ألا يكون للناس على الله حجة من بعد الرسل، فلا يقولن واحد: أنت لم تنبهني يارب، والجهل بالقانون في الشرع البشري لا يعفي الإنسان من العقوبة إن ارتكب جرما، لكن الله لا يفعل ذلك، فهو أكرم على عباده من أنفسهم، لذلك يرسل الرسول ليحمل المنهج الذي يبين الحلال من الحرام: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42]
فلا يقولن واحد: لقد أخذنا الله على غرّة. وأنتم أيها المؤمنون إن اتخذتم الكافرين أولياء من دون المؤمنين وتقربتم إليهم ونصرتموهم فأنتم أكثر شرا من المنافقين، لأن المنافق له أسبابه، وفي أعماقه خيط من الكفر وخيط من الإيمان، والحجة واضحة عليكم أيها المؤمنون، فقد أبلغكم الحق المنهج وأعلنتم الإيمان به.
إن صنعتم غير ذلك تعطون الحق الحجة في أن يعذبكم.
{أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} والسلطان المبين هو السلطان الواضح المحيط الذي لا يستطيع أن يدفعه أحد، فإذا ما كانت هناك حجة، قد يستطيع الإنسان أن ينقضها، كالمحامي أمام المحاكم. لكن حجة الله هي سلطان مبين. أي لا تنقض أبداً. (?)
وقال القاسمي:" هذا نهي عن موالاة الكفرة. يعني مصاحبتهم، ومصادقتهم، ومناصحتهم، وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم. كما قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28].أي: يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه. ولهذا قال هاهنا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً أي: حجة عليكم في عقابكم بموالاتكم إياهم. وقد دلت الآية على تحريم موالاة المؤمنين للكافرين. قال الحاكم: وهي الموالاة في الدين والنصرة فيه. لا المخالقة والإحسان. قال الزمخشريّ: وعن صعصعة بن صوحان أنه قال لابن أخ له: خالص المؤمن وخالق الكافر والفاجر. فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن. وأنه يحق عليك أن تخالص المؤمن. قال أبو السعود: وتوجيه الإنكار إلى الإرادة دون متعلقها بأن يقال: أتجعلون