هنا ضمنا وفي موضع آخر من السورة تصريحا - كما أنه ليس من التقية المرخص بها أن يعاون المؤمن الكافر بالعمل في صورة من الصور باسم التقية. فما يجوز هذا الخداع على الله! ولما كان الأمر في هذه الحالة متروكا للضمائر ولتقوى القلوب وخشيتها من علام الغيوب، فقد تضمن التهديد تحذير المؤمنين من نقمة الله وغضبه في صورة عجيبة من التعبير حقا: «وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ. وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ» .. (?)
------------
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً) (النساء:144)
يَنْهَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يَتَخِذُوا الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ لَهُمْ، مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ، يُصَاحِبُونَهُمْ وَيُصَادِقُونَهُمْ، وَيُنَاصِحُونَهُمْ، وَيُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ، وَيُفْشُونَ إلَيْهِمْ أَحْوَالَ المُؤْمِنِينَ البَاطِنَةَ. وَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ جَعَلُوا للهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةً بَيِّنَةً وَعُذْراً فِي عُقُوبَتِهِ إِيّاهُمْ. (وَالمُرَادُ هُنَا النُّصْرَةُ بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ بِمَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرُ المُسْلِمِينَ) (?).
وقال الطبري: "وَهَذَا نَهْي مِنَ اللَّهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ, فَيَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي رُكُوبِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مُوَالَاةِ أَعْدَائِهِ. يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا تُوَالُوا الْكُفَّارَ فَتُؤَازِرُوهُمْ مِنْ دُونِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ, فَتَكُونُوا كَمَنْ أَوْجَبَ لَهُ النَّارَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُتَوَعِّدًا مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمُ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ هُوَ لَمْ يَرْتَدِعْ عَنْ مُوَالَاتِهِ وَيَنْزَجِرْ عَنْ مُخَالَفَتِهِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِأَهْلِ وَلَايَتِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَمَرَ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بِتَبْشِيرِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا: أَتُرِيدُونَ أَيُّهَا الْمُتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ, مِمَّنْ قَدْ آمَنَ بِي وَبِرَسُولِي أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا, يَقُولُ: حُجَّةً بِاتِّخَاذِكُمُ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ, فَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ مَا اسْتَوْجَبَهُ أَهْلُ النِّفَاقِ الَّذِينَ وَصَفَ لَكُمْ صِفَتَهُمْ وَأَخْبَرَكُمْ بِمَحِلِّهِمْ عِنْدَهُ {مُبِينًا} [النساء: 20]