قيل: في الآيات تكرار، والغرض التأكيد، لقطع أطماع الكفار عن أن يجيبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما سألوه من عبادته آلهتهم.
والقرار الفصل والقول الحسم الذي يجعل الاستقلال لكل فئة أو جماعة بدينها:
هو أن لكم إشراككم أو كفركم، ولي ديني ومذهبي وهو التوحيد والإخلاص لله أو الإسلام، فدينكم الذي هو الإشراك، لكم لا يتجاوزكم إلي، وديني الذي هو التوحيد مقصور علي لا يتجاوزني، فيحصل لكم.
وليست هذه السورة على التحقيق منسوخة بآية القتال: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة [التوبة:9/ 36] فإن المحققين من العلماء قالوا: لا نسخ لهذه السورة، بل المراد التهديد، كقوله تعالى: اعملوا ما شئتم [فصلت:41/ 40].
ونظير هذه الآية كثير في القرآن، منها قوله تعالى: وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون [يونس:10/ 14].
وهذا الفصل بين أتباع الأديان يريح كل فريق، ويجعل كل إنسان مسئولا عما يحب ويختار، ويعتقد ويعمل، إذ لا إكراه في الدين، والدين يقوم على أساس القناعة والحرية والاختيار، وهذا أساس توجيه المسؤولية لكل إنسان عما عمل، وسيرى كل واحد عاقبة فعله واعتقاده وقوله. وإذا لم يجد الإقناع وإعمال العقل الحر الطليق من غير تعصب ولا أحقاد ولا موروثات، فإن كل إنسان مطالب بترك غيره فيما اختاره أو اعتقده. (?)
«قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ، وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ».نفي بعد نفي. وجزم بعد جزم. وتوكيد بعد توكيد. بكل أساليب النفي والجزم والتوكيد ..
«قُلْ» .. فهو الأمر الإلهي الحاسم الموحي بأن أمر هذه العقيدة أمر الله وحده. ليس لمحمد فيه شيء. إنما هو الله الآمر الذي لا مرد لأمره، الحاكم الذي لا راد لحكمه.
«قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» .. ناداهم بحقيقتهم، ووصفهم بصفتهم .. إنهم ليسوا على دين، وليسوا بمؤمنين وإنما هم كافرون. فلا التقاء إذن بينك وبينهم في طريق ..