وحينئذ يتعين أن يؤخذ الأمر بالحزم والجد في تنظيم الجنود حتى لا تكون فوضى، فإن سليمان إذا لم يأخذ بذلك في تنظيم الجنود ومراقبتهم كان المتأخر منهم قدوة سيئة لبقية الجنود، ولهذا نجد سليمان النبي الملك الحازم يتهدد الجندي الغائب المخالف، ولكن سليمان ليس ملكاً جباراً في الأرض، ولا متسرعاً عجولاً، وهو لم يسمع بعد حجة الهدهد الغائب، فلا ينبغي أن يترك الأناة والتثبت ويقضي في شأنه قضاءً نهائيّاً قبل أن يسمع منه ويتبين عذره، ومن ثم تبرز سمة النبي العادل المتثبت {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} أي: حجة قوية واضحة توضح عذره وتنفي المؤاخذة عنه (?).
فالأناة صفة جميلة، وتكون أجمل إذا جاءت من القادر على العقاب، ولهذا قال الشاعر ابن هانئ المغربي:
وكل أناة في المواطن سؤدد ... ولا كأناة من قديرٍ محكم
ومن يتبين أن للصفح موضعاً ... من السيف يصفح عن كثير ويحلم
وما الرأي إلا بعد طول تثبُّت ... ولا الحزم إلا بعد طول تلوم
وقال الشاعر يمدح عاقلاً حكيماً:
بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يخاطبه في كل أمر عواقبه (?)