القرى تدار شئونها بدار الندوة بالشورى، ويثرب تدار شئونها في السقيفة، وهي ظاهرة فريدة في تاريخ الأمم!
ومما يؤكد معرفتهم بالحرية بمفهومها السياسي قول الشاعر المازني يتهدد أمير البصرة:
فلا توعدنا يا بلال فإننا وإن نحن لم نشقق عصى الدين أحرار
فلا تحملنا بعد سمع وطاعة على خطة فيها الشنار أو العار
وقال عمرو بن كلثوم:
إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فينا
وحين نأتي للإسلام نجد بأنه صار للحرية فيه معنى أشمل وأكمل فهي أصل الدين والتوحيد، كما أنها مناط التكليف والتشريع، وهي قطب رحى (الإسلام) وما جاء فيه من الشرائع والأحكام، والتي يدرسها (علم الفقه) وهي الأفعال الظاهرة والأحكام العملية من عبادات ومعاملات ..
والحرية كذلك قطب رحى (الإيمان)،الذي يدرسه (علم التوحيد) وهو الأحكام العلمية العقائدية الفكرية ..
وكذا الحرية هي قطب رحى (الإحسان)،الذي يدرسه (علم السلوك والتصوف) وهو الأحكام النفسية التي تهذب النفس حتى تصل بها أشرف درجات العبودية لله، وهو أكمل مراتب الدين في الإسلام!
وللحرية تعريفها في كل علم من هذه العلوم كما سيأتي عند كل دائرة من هذه الدوائر.
وقد جاء في حديث جبريل المشهور المتفق عليه في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَلِقَائِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: «الإِسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ»،قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ:"مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ