والأمر فيها لا يخلو من إشكال، فإننا نجد تفرقاً كبيراً، وأعداداً غفيرة من العلماء والفقهاء والقراء والمتعلمين والمتخصصين في مجال الشرعيات، وهم لا يجمعهم كتابٌ حافظ، ولا تضمهم مؤسسة بعينها، بل الغالب أن كثيراً من الأقوال والآراء والاجتهادات ترجع إلى رأي خاص، واجتهاد شخصي أكثر مما ترجع إلى اجتهاد جماعي ومدارسة عامة، كما كان الأمر في عصر الصدر الأول حين كان عمر رضي الله عنه يجمع الصحابة إذا أشكل عليه أمر ويستشيرهم، ولهذا كان من الكلمات الدارجة: [لو عرضت هذه المسألة على عمر لجمع لها أهل بدر] ولكن مع ذلك فإن الأمر لا يخلو من إشكال فيما يتعلق بالتعامل مع المؤسسة الدينية، سواء كانت رسمية أو شعبية أو جماعية أو فردية؛ فإن النفس الإنسانية ترتاح لسماع المديح ولو كان كاذباً، وتنفر من سماع النقد ولو كان جاداً عادةً، ولا يقمعها من هذا الارتياح إلا رادع التقوى والمراقبة لله سبحانه وتعالى والزهد في الدنيا، ومطامعها، فهذا الزهد يضعف مراكز الأنانية في النفس، فتعتاد تقبل النقد، والتصحيح، ومثله التدريب والتعويد الذي يهون وقع هذه الأشياء ويذهب حزنها؛ فإن الشخص الذي تعود ألا يسمع إلا الإطراء والثناء والتأييد وهز الرؤوس يصعب عليه أن يتقبل النقد أو المعارضة أو الرفض، وهذا أمر طَبَعِي، بل أكثر من ذلك، فلو أن إنساناً تعود على سماع النقد عشرين سنة، ثم فقد النقد أسبوعاً؛ ليسمع خلاله مديحاً خالصاً محضاً، لاحتاج بعد الأسبوع إلى استعداد جديد، وتأهيل جديد وتدريب قاس؛ لقبول النقد الذي ينتظره.
إننا نجد أن الولاء السياسي أو العلمي أو الدعوى ربما يأخذ أكبر من حجمه، أو يتم التعبير عنه وتفسيره بطريقة غير دقيقة، فهناك من ينفر من نقد من ينتسب إليهم من المشايخ، أو العلماء أو الدعاة، وبمجرد ما يسمع صوتاً باعتراض، ولو كان لطيفاً؛ فإنه يُستفز للمقاومة والرد، وقد يطلق على الخصم عبارات التصنيف والتهمة والمحاصرة، ثم ينبري للدفاع، ولا بأس بحرية الإنسان في الدفاع عما يعتقد، لكن مع مراعاة أن الانهماك في الدفاع يفضي إلى نوع من المغالبة والمبالغة في الترميز، وتكريس الصدارة بطريقةٍ لا حاجة