المتتبع لكتابات المفكرين المسلمين في حرية الرأي يجد اختلافاً كبيراً في تقييدها وسبب ذلك أن فكرة حرية الرأي منقولة عن الفكر الغربي ثم بحث لها عما يؤيدها في الشريعة الإسلامية، فلما اصطدمت بمحرمات الرأي والقول التي لا حصر لها قيدها من كتبوا فيها ببعض قيودها، فمنهم من أتى بقيود عامة كمن قيدها بالشريعة الإسلامية، ومنع كل ما خالفها من الرأي، ومنهم من فصل في ذلك، ويمكن تقسيم اتجاهاتهم في تقييد الحرية إلى ما يلي:

الاتجاه الأول: من أطلق حرية الرأي، ونص على عدم تقييدها ونسب ذلك للإسلام!! يقول حسن الباش في تقريره لحرية الرأي: أما حرية التعبير فهي التي ضمنها الإسلام في آيات القرآن، وحض عليها ... وذكر من مجالاتها: حرية التعبير عن الفكر مهما كانت فلسفته ومهما كان اتجاهه .. إلى أن قال: وقد أقر الإسلام ما كان عرفاً عند العرب وأباح الإدلاء بالرأي، وإبداء وجهة النظر دون قيد .. (?)

وهذا القول واضح السقوط؛ لأن في الشريعة الإسلامية تقييداً كثيراً لحرية الرأي، بل الأصل عدم إطلاق الرأي، فكيف ينسب لها خلاف ذلك، كما أن القوانين الوضعية قد اتفقت على تقييد حرية الرأي بقيود عدة سبق تناولها.

الاتجاه الثاني: من لم ينص على إطلاقها ولا تقييدها، (?) ومن المحتمل أن أصحاب هذا الاتجاه يرون تقييدها لكنهم لم ينصوا على ذلك؛ تقليداً لغيرهم بمعنى أن بعضهم نقل من بعض، والمنقول عنه لم يقيد فتبعه الناقل، وهذا ملاحظ في كثير ممن تناولوا بالدراسة الحرية وحقوق الإنسان؛ إذ إن قليلاً منهم ناقشوا هذه الأفكار ونقدوها، أو أنهم ذهلوا عن تقييدها، أو أنهم رأوا أن ضرورة تقييدها معروفة لا تحتاج إلى بيان، أو أنهم رأوا اختلافاً كثيراً في القيود التي تقيد بها حرية الرأي، فأعرضوا عن جميعها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015