الغربي يرى أن الخير متنوع، وأن لكل مجتمع خيره الذي يناسبه، وهو ما يتفق عليه أفراد ذلك المجتمع، والنظم الديمقراطية حين جعلت الشعب يحكم الشعب، وأوجبت التصويت على القوانين والأنظمة التي تفرض على الناس فإنما هي تنزع إلى فكرة اختلاف مفهوم الخير العام من زمان إلى زمان، ومكان إلى مكان، وهذا في الأصل مؤسس على نفي الحقيقة المطلقة التي أشرنا لها سابقاً.

يقول د. محمد عصفور: من غير المقبول أن يفترض أن الخير المشترك لكل المجتمع هو خير واحد، وأن تصور الاختلافات والتنوعات في فهمه وتطبيقه على أنها انحرافات عن هذا المعنى الوحيد؛ لأن معنى ذلك فرض عقيدة راشدة على كل المنظمات الإنسانية، وهو ما يناهض الواقعية التي يجب أن يؤخذ بها وحدها في الدراسات الاجتماعية، وفضلاً عن ذلك فإن تصور قيام معنى وحيد للخير المشترك مردود تاريخياً وواقعياً فلم يثبت في التاريخ أن ثم نموذجاً موحداً يمثل فكرة الخير المشترك تحميه النظم المتنوعة والتي لا حصر لتنوعها اجتماعياً وخلقياً، وإنما الثابت أن المضمون المادي لفكرة الخير المشترك متغير بطريقة لا تنقطع؛ إذ لا يكف الناس عن تغيير تصوراتهم عن هذا الخير المشترك بقصد أن يبلغوا به حد الكمال. (?)

قلت: هذا التقرير متأثر بالتقرير الغربي لفكرة الخير العام، وإلا فإن ما أرسلت به الرسل، وأنزلت به الكتب، وفرضته الشرائع من الأحكام الدينية والدنيوية هو من الخير العام الثابت الذي تصلح به أحوال البشر في كل زمان ومكان على اختلاف أجناسهم وأديانهم وأفكارهم، والأمن الشامل الذي ساد البشرية جميعاً إبان قوة المسلمين دليل على ذلك، على ما في تطبيق المسلمين في كثير من الدول المتعاقبة من خروقات وانتهاكات، لكنهم كانوا هم الأقرب إلى الحق والعدل.

وثمة أمر مهم: وهو أن طبيعة التفكير البشري تحتم على صاحب كل مبدأ ظنه أن ما يدين به من دين، وما يعتنقه من أفكار، يمثل خيراً عاماً؛ ولذا فهو ينافح عنه، ويدعو إليه، ويرفض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015