كما أن الفكرة الغربية لعدم ثبات الحق والخير والصواب، وقولهم بنفي الحقيقة المطلقة، أو القول بتعددها، ينسجم مع تقريرهم في إطلاق الرأي، بخلاف ما تقرر في الإسلام من ثبات الحق والخير والصواب، وإثبات الحقائق المطلقة، ونفي تعدد الحق؛ لإيمان المؤمن بثبات ما دل عليه الكتاب والسنة.
ثانياً: أن طريقة القرآن هي تقييد الرأي، وجعل المباح منه مستثنى من المنع، وليس العكس، ودليل ذلك قول الله - تعالى -: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء:114].
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعَ.،وَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَامَّةً فَانْدَرَجَ أَصْحَابُ النَّازِلَةِ وَهُمْ قَوْمُ طُعْمَةَ فِي ذَلِكَ الْعُمُومِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِيجَازِ وَالْفَصَاحَةِ، لِكَوْنِ الْمَاضِي وَالْمُغَايِرِ تَشْمَلُهُمَا عِبَارَةٌ وَاحِدَةٌ" (?)
وقال ابن كثير:"يَقُولُ تَعَالَى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ يَعْنِي كَلَامَ النَّاسِ" (?)
وقال الشنقيطي - رحمه الله تعالى -:قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ الْآيَةَ، ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مُنَاجَاةِ النَّاسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَا خَيْرَ فِيهِ. (?)
وقال السعدي - رحمه الله تعالى -:أي: لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون. وإذا لم يكن فيه خير، فإما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه. ثم استثنى - تعالى -فقال: (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (?)
ثالثاً: أن نصوص الكتاب والسنة دلت على أن الأصل في الإسلام عدم إبداء الرأي إلا إذا كان خيراً وليس إطلاقه، والخير يعرف بنصوص الشريعة، خلافاً للفكر الغربي الذي جعل