الإسلام إلى أن الأصل فيه المنع، والسماح بالرأي مخصوص من النهي العام، ومستثنى من المنع. (?)
ولا يرد على تقرير هذا أن كثرة التجارب في العلوم الدنيوية -وأكثرها كان خطأ- هي التي أوصلت لكثير من الحقائق؛ لأن الآراء والتجارب في أمور الدنيا إما أن تئول إلى ما ينفع البشرية فهي وسيلة إلى خير فتكون من الخير المأمور به، وإما أن تئول إلى ما يضر البشرية فهي وسيلة إلى شر فتكون محرمة. ومهما كانت كثرتها فلن تبلغ مبلغ الركام الضخم الذي أنتجته عقول البشر على مر القرون فيما يتعلق بالأمور الغيبية والدينية سواء كانت اعتقادية أم عملية في شتى الديانات والمذاهب، وهكذا ما يتعلق بالأخلاق والسلوك.
هذا؛ ونظرة المفكرين الغربيين على العكس من ذلك؛ فالفيلسوف ميل يرى أن الصواب في هذه الحياة أكثر من الخطأ، كما يرى أن كفة الصلاح والاستقامة أرجح من كفة الفساد والعوج. (?)
فالاختلاف في تقدير ما يصدر عن البشر من حق وباطل، وخير وشر، وصواب خطأ، هو الذي أدى إلى مخالفة ما يقرره الفكر الغربي لما جاء به الإسلام ولم يفطن الكتاب المسلمون الذين عالجوا قضايا الحرية لهذا الاختلاف الجوهري فوقعوا في الخطأ باتباعهم الغربيين في تقرير حرية الرأي.