المبحث الثالث عشر الحقوق والحريات في الشريعة الإسلامية

المبحث الثالث عشر

الحقوق والحريات في الشريعة الإسلامية

من أكبر مظاهر عظمة الدين الإسلامي في أنه راعى التجاذبات والتنافرات النفسية ما بين الإنسان من حيث كونه إنسانًا له احتياجات عاطفية وشخصية وفطرية وحريات يسعى لتحقيقها، وبين كونه ضلعًا وحجرًا أساسيًا في بناء المجتمع وتشييد الحضارة، فلم يبالغ هذا الدين في رسم الصورة النمطية للحضارة القائمة عليه وتكليف الإنسان ببناء مجتمعه وتنمية بلاده، مهمشًا بذلك الفرد وحقوقه ومتطلباته الأساسية، ولكنه اهتم اهتمامًا بليغًا بحقوق الأفراد وكفالة الحريات المختلفة له ولأبنائه، وجعل ذلك مدخلاً أصيلاً وباحة رئيسة لصرح الحضارة والتنمية، حيث لا يشيد العبيدُ صروحَ الحضارات، وإنما الذين يشيدونها هم الرجال الأحرار أرباب العزة والأنفة والثقة في خير دين ختم الله - تعالى - به الرسالات وأنزل من أجله خير الرسل؛ لذا فإن كبت الحريات وقهر الرجال ومنعهم حقوقهم الأساسية هو أقوى معاول هدم المجتمعات الإنسانية بشكل عام، وهو أكبر عوامل الانحطاط والتخلف التي تقاسي منها البشرية المعاصرة؛ لذا فإن الدعوة إلى الإسلام والالتزام به وتحكيمه بين العباد ليست دعوة ساذجة بالصورة التي يصورها معتنقو التصورات البشرية الزائفة، وإنما هي دعوة في صميم الإصلاح البشري ودفع الظلم ورفع التخلف والرجعية عن كواهل البشر.

لقد قاست البشرية العمشاء خلال عقود طويلة من أعمارها من تجارب ومناهج بشرية قاصرة، كانت تولي اهتمامًا بأنواع من الحقوق على حساب أنواع أخرى، فهي حينًا تقدِّس الفرد وتعبُده وتعطيه أكثر مما يستحق، فيكون ذلك على حساب المجتمع، فتقع الشعوب في أزمة فردية وتقديس للذات وتهميش لبناء المجتمعات، وحينًا آخر تُعْلِي من قدر المجتمع وتنسى الفرد، فتبخسه حقوقه، فتتضاءل قيمة الفرد ويصير مجرد ترس في عجلة الحياة تنتفع منه الدولة وتمص دماءه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، فإن مرض أو أعيق أُلْقِي في مزبلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015