هذا ما ينبغي أن يفهم، لأن الحرية المطلقة تعني الهمجية والفساد في الأرض، وتعني تحطيم الفضائل والأخلاق والقيم الدينية، والنظم الاجتماعية، تحطيم مبادئ الحق والعدل، فالحرية المطلقة تعني إطلاق يد الفساق في أن يفسقوا ويفجروا على ما يشتهون دون أن يكون لأحد أو جهة ما حق محاسبتهم، أو كفهم عن فسقهم وإباحيتهم، وتعين انطلاق النساء من ضوابط العفة وتمردهن وانسياحهن بحسب أهوائهن، وتفلتهن من كل واجب اجتماعي وكل ضابط خلقي أو ديني.

فالحرية المطلقة تدمير للإنسانية وكرامتها، وإخراج للإنسان عن موقعه الذي وضعه الله عليه موضع الابتلاء المستتبع بالحساب والجزاء، وقاذفاً به إلى مستوى الأنعام أو أضل سبيلاً.

فإن إطلاق الحرية مصادم للحق والخير والفضيلة والجمال والكمال. إن الحرية مثل النار لا تستخدم إلا ضمن حدود وضوابط، وبحذر شديد ومراقبة تامة، وإلا أكلت الأخضر واليابس، وابتلعت كل شيء أتت عليه، ولذلك فإن كل القوانين أو الدساتير أو النظم الاجتماعية التي وضعها البشر تتضمن حجراً على الحرية، ولذلك أقيمت المحاكم والسجون، وأقيمت الحدود، وعوقب المخالفون. فهناك قوانين تمنع تعاطي المخدرات وبيعها وتداولها، وتعاقب بالأحكام المشددة التي تصل في بعض الدول إلى الإعدام، فلماذا يقبلون هذا القيد من القوانين الوضعية ثم يرفضون أن يكون للدين ضابط على النفس وعلى الحرية.

فالإنسان ليس حراً في أن يسرق، أو يغش، أو يزني، أو أن يرتكب منكراً في الطريق العام لأنهم يقولون "فعل فاضح في الطريق العام يخدش حياء الآخرين" إذاً الحرية لوِأطلقت كانت تعدياً على حريات الآخرين.

فيتبين من هذا أن الحرية المقبولة المعقولة في واقع الناس ذات مجال محدود، وهذا المجال المحدود لا يجوز تجاوزه، ولا تعديه لا في منطق العقل، ولا في منطق مصلحة الإنسان في ذاته، ولا في منطق مصلحة المجتمع البشري؛ لأن الحرية إذا تجاوزت حدودها كانت وحشاً مفترساً أو ناراً هائجة ثائرة محرقة، أو سيلاً عارما مدمراً، وكانت نذير شؤم وخراب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015