معارضته لا عبادته بالمفهوم الإصطلاحي لمعنى العبادة، وقد كان بنو إسرائيل في مصر موحدين على دين إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولم يكونوا يعبدون فرعون وكذا أهل مصر كانت لهم أوثانهم ودياناتهم ومعابدهم، وإنما كانت ربوبية فرعون وإلهيته التي إدعاها لنفسه هي ما فرضه على الناس من الطاعة المطلقة له وعدم معارضته واستبداده بالأمر واستذلاله للشعب ولهذا قال للسحرة الذين آمنوا بموسى: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه:71].

فلم تكن المشكلة في نظره أن يؤمنوا بموسى بل المشكلة هي أنهم آمنوا قبل أن يأذن لهم وهو الملك الذي له الطاعة عليهم؟! وقد صدق على فرعون أنه جعل من نفسه ربا وإلها لسلطانه الدنيوي وصدق على أهل مصر وبني إسرائيل أنهم جعلوا من أنفسهم عبيداً لخضوعهم لفرعون وطاعتهم المطلقة له.

كما في قول موسى له: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:22] ومعنى تعبيد بني إسرائيل لفرعون في هذه الآية أي إخضاعهم لسلطانه واستذلالهم لطغيانه، هذا إذا كان مراد موسى هو الاستفهام الاستنكاري فهو ينكر على فرعون إدعاءه أنه أكرمه بتربيته له في قصره ما دام قد ظلم قوم موسى واستذلهم واستعبدهم مع كونهم أحرارا وحذف همزة الاستفهام أسلوب قرآني شائع في لغة العرب فأصلها"أو تلك نعمة تمنها علي ... "وإن كان المراد في الآية الإخبار لا الإنكار فالمعنى:

وهذه نعمة تمنها يا فرعون عليّ إذا تركت بني إسرائيل أحرارا وشأنهم يذهبون حيث شاؤوا، ليصبحوا عبيداً لله وحده لا سلطان لك عليهم ولا طاعة.

كما صدق على الأحبار والرهبان أنهم صاروا أرباباً وآلهة لسلطانهم الديني، وصدق على أهل الكتاب أنهم صاروا عبيداً لهم بطاعتهم والخضوع لهم.

ـــــــــ

العبودية تناقض الحرية:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015