وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر الخلق عبودية لله، وبهذا وصفه القرآن لأنه أكثرهم تحرراً من الخضوع لغير الله وأكملهم حرية، وقد جعل الإسلام الحرية بجميع أشكالها حقاً محفوظا، بل واجباً مفروضاً، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» (?)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْعَةَ الْحَرْبِ- وَكَانَ عُبَادَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. (?)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: «دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا»،وَقَالَ: «اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا، فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ» فَقَالُوا: إِنَّا لاَ نَجِدُ سِنًّا إِلَّا سِنًّا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: «فَاشْتَرُوهَا، فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً» (?)
ليؤكد بذلك مبدأ حرية الكلمة وحرية نقد السلطة. هذه الحرية التي تعد حجر الأساس لجميع أنواع الحريات الإنسانية، بل لقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قول كلمة الحق أفضل أنواع الجهاد في سبيل الله؛ فعَنْ طَارِقٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:"كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ" (?)
وجعل العمل السياسي والاهتمام بشؤون الأمة والسلطة وتقويمها من الدين؛ فعَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِيكَ، قَالَ: وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عَنِّي رَجُلًا، قَالَ: فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي كَانَ صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ