على دين اللّه إطلاقا وهم يدعون إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون.

وبهذا الجزم القاطع يقرر اللّه سبحانه في القرآن الكريم معنى الدين وحقيقة التدين .. فلا يقبل من العباد إلا صورة واحدة ناصعة قاطعة .. الدين: الإسلام. والإسلام: التحاكم إلى كتاب اللّه وطاعته واتباعه .. فمن لم يفعل فليس له دين، وليس مسلما وإن ادعى الإسلام وادعى أنه على دين اللّه. فدين اللّه يحدده ويقرره ويفسره اللّه، وليس خاضعا في تعريفه وتحديده لأهواء البشر .. كل يحدده أو يعرّفه كما يشاء! لا. بل إن الذي يتخذ الكفار أولياء - والكفار كما يقرر السياق هم الذين لا يقبلون التحاكم إلى كتاب اللّه - «فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيء» .. ولا علاقة له باللّه في شيء ولا صلة بينه وبين اللّه في شيء .. مجرد من يتولى وينصر أو يستنصر أولئك الكفار الذين يرفضون أن يتحاكموا إلى كتاب اللّه. ولو ادعوا أنهم على دين اللّه! ويشتد التحذير من هذه الولاية التي تذهب بالدين من أساسه. ويضيف السياق إلى التحذير التبصير. تبصير الجماعة المسلمة بحقيقة القوى التي تعمل في هذا الوجود. فاللّه وحده هو السيد المتصرف، مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء .. وهذا التصريف لأمر الناس ليس إلا طرفا من التصريف لأمر الكون كله. فهو كذلك يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي .. وهذا هو القيام بالقسط في أمر الناس وفي أمر الكون، فلا داعي إذن لولاية غيره من العباد، مهما يكن لهم من قوة ومن مال وأولاد.

ويشي هذا التحذير المؤكد المكرر بما كان واقعا في الجماعة المسلمة يومذاك من عدم وضوح الأمر تماما ومن تشبث بعضهم بصلاته العائلية والقومية والاقتصادية مع المشركين في مكة ومع اليهود في المدينة، مما اقتضى هذا التفسير والتحذير. كما أنه يشي بطبيعة ميل النفس البشرية إلى التأثر بالقوى البشرية الظاهرة، وضرورة تذكيرها بحقيقة الأمر وحقيقة الأمر وحقيقة القوى، إلى جانب إيضاح أصل العقيدة ومقتضياتها في واقع الحياة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015