التفاتة واقعية إلى الفتنة المستكنة في المتاع المتاح في هذه الأرض للكفار والعصاة والمعادين لمنهج اللّه .. التفاتة لإعطاء هذا المتاع وزنه الصحيح وقيمته الصحيحة، حتى لا يكون فتنة لأصحابه، ثم كي لا يكون فتنة للمؤمنين، الذي يعانون ما يعانون، من أذى وإخراج من الديار، وقتل وقتال: «لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتاعٌ قَلِيلٌ .. ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ. لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ» ..
وتقلب الذين كفروا في البلاد، مظهر من مظاهر النعمة والوجدان، ومن مظاهر المكانة والسلطان، وهو مظهر يحيك في القلوب منه شيء لا محالة. يحيك منه شيء في قلوب المؤمنين وهم يعانون الشظف والحرمان، ويعانون الأذى والجهد، ويعانون المطاردة أو الجهاد .. وكلها مشقات وأهوال، بينما أصحاب الباطل ينعمون ويستمتعون! .. ويحيك منه شيء في قلوب الجماهير الغافلة، وهي ترى الحق وأهله يعانون هذا العناء، والباطل وأهله في منجاة، بل في مسلاة! ويحيك منه شيء في قلوب الضالين المبطلين أنفسهم فيزيدهم ضلالا وبطرا ولجاجا في الشر والفساد.
هنا تأتي هذه اللمسة: «لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتاعٌ قَلِيلٌ. ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ».متاع قليل .. ينتهي ويذهب .. أما المأوى الدائم الخالد، فهو جهنم .. وبئس المهاد!
وفي مقابل المتاع القليل الذاهب جنات. وخلود. وتكريم من اللّه: «جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» .. «خالِدِينَ فِيها» .. «نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» .. «وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ» ..
وما يشك أحد يضع ذلك النصيب في كفة، وهذا النصيب في كفة، أن ما عند اللّه خير للأبرار. وما تبقى في القلب شبهة في أن كفة الذين اتقوا أرجح من كفة الذين كفروا في هذا الميزان. وما يتردد ذو عقل في اختيار النصيب الذي يختاره لأنفسهم أولو الألباب!