إننا نملك إنقاذ البشرية من ويلات الجاهلية وحربها المشبوبة في شتى الصور والألوان. ولكننا لا نملك إنقاذ البشرية، قبل أن ننقذ نحن أنفسنا، وقبل أن نفيء إلى ظلال السلام، حين نفيء إلى رضوان اللّه ونتبع ما ارتضاه. فنكون من هؤلاء الذين يقول اللّه عنهم إنه يهديهم سبل السلام (?).
«وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ» .. والجاهلية كلها ظلمات .. ظلمة الشبهات والخرافات والأساطير والتصورات. وظلمة الشهوات والنزعات والاندفاعات في التيه. وظلمة الحيرة والقلق والانقطاع عن الهدى والوحشة من الجناب الآمن المأنوس. وظلمة اضطراب القيم وتخلخل الأحكام والقيم والموازين. والنور هو النور .. هو ذلك النور الذي تحدثنا عنه آنفا في الضمير وفي العقل وفي الكيان وفي الحياة وفي الأمور.
«وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» .. مستقيم مع فطرة النفس ونواميسها التي تحكمها. مستقيم مع فطرة الكون ونواميسه التي تصرفه. مستقيم إلى اللّه لا يلتوي ولا تلتبس فيه الحقائق والاتجاهات والغايات ..
إن اللّه الذي خلق الإنسان وفطرته وخلق الكون ونواميسه هو الذي وضع للإنسان هذا المنهج وهو الذي رضي للمؤمنين هذا الدين. فطبيعي وبديهي أن يهديهم هذا المنهج إلى الصراط المستقيم. حيث لا يهديهم منهج غيره من صنع البشر العاجزين الجهال الفانين! وصدق اللّه العظيم. الغني عن العالمين. الذي لا يناله من هداهم أو ضلالهم شيء ولكنه بهم رحيم! (?)