قال تعالى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» .. والحمد للّه هو الشعور الذي يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكره للّه .. فإن وجوده ابتداء ليس إلا فيضا من فيوضات النعمة الإلهية التي تستجيش الحمد والثناء. وفي كل لمحة وفي كل لحظة وفي كل خطوة تتوالى آلاء اللّه وتتواكب وتتجمع، وتغمر خلائقه كلها وبخاصة هذا الإنسان .. ومن ثم كان الحمد للّه ابتداء، وكان الحمد للّه ختاما قاعدة من قواعد التصور الإسلامي المباشر: «وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ ... ».
ومع هذا يبلغ من فضل اللّه - سبحانه - وفيضه على عبده المؤمن، أنه إذا قال: الحمد للّه. كتبها له حسنة ترجح كل الموازين .. في سنن ابن عن قُدَامَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجُمَحِيِّ؛ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ غُلاَمٌ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُعَصْفَرَانِ، قَالَ: فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ قَالَ: يَا رَبِّ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَلِ وَجْهِكَ، وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، فَعَضَّلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ، فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا، فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالاَ: يَا رَبَّنَا، إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لاَ نَدْرِي كَيْفَ نَكْتُبُهَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ قَالاَ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَلِ وَجْهِكَ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي، حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزِيَهُ بِهَا. (?) ..
والتوجه إلى اللّه بالحمد يمثل شعور المؤمن الذي يستجيشه مجرد ذكره للّه - كما أسلفنا - أما شطر الآية الأخير: «رَبِّ الْعالَمِينَ» فهو يمثل قاعدة التصور الإسلامي، فالربوبية المطلقة الشاملة هي إحدى كليات العقيدة الإسلامية .. والرب هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد وعلى المتصرف للإصلاح والتربية .. والتصرف للإصلاح والتربية يشمل العالمين - أي جميع الخلائق - واللّه - سبحانه - لم يخلق