بها من التأثر باهتزازات الجسم، ومن كثير مما يصيب الظهر والبطن من لكمات وكدمات، ورجات وتأثرات!

والتعبير القرآني يجعل النطفة طورا من أطوار النشأة الإنسانية، تاليا في وجوده لوجود الإنسان .. وهي حقيقة. ولكنها حقيقة عجيبة تدعو إلى التأمل، فهذا الإنسان الضخم يختصر ويلخص بكل عناصره وبكل خصائصه في تلك النطفة، كما يعاد من جديد في الجنين وكي يتجدد وجوده عن طريق ذلك التلخيص العجيب. ومن النطفة إلى العلقة. حينما تمتزج خلية الذكر ببويضة الأنثى، وتعلق هذه بجدار الرحم نقطة صغيرة في أول الأمر، تتغذى بدم الأم .. ومن العلقة إلى المضغة، حينما تكبر تلك النقطة العالقة، وتتحول إلى قطعة من دم غليظ مختلط ..

وتمضي هذه الخليقة في ذلك الخط الثابت الذي لا ينحرف ولا يتحول، ولا تتوانى حركته المنظمة الرتيبة. وبتلك القوة الكامنة في الخلية المستمدة من الناموس الماضي في طريقه بين التدبير والتقدير .. حتى تجيء مرحلة العظام .. «فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً» فمرحلة كسوة العظام باللحم: «فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً» .. وهنا يقف الإنسان مدهوشا أمام ما كشف عنه القرآن من حقيقة في تكوين الجنين لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيرا بعد تقدم علم الأجنة التشريحي. ذلك أن خلايا العظام غير خلايا اللحم. وقد ثبت أن خلايا العظام هي التي تتكون أولا في الجنين. ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا العظام، وتمام الهيكل العظمي للجنين. وهي الحقيقة التي يسجلها النص القرآني: «فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً، فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً» .. فسبحان العليم الخبير! «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ» .. هذا هو الإنسان ذو الخصائص المتميزة. فجنين الإنسان يشبه جنين الحيوان في أطواره الجسدية. ولكن جنين الإنسان ينشأ خلقا آخر، ويتحول إلى تلك الخليقة المتميزة، المستعدة للارتقاء. ويبقى جنين الحيوان في مرتبة الحيوان، مجردا من خصائص الارتقاء والكمال، التي يمتاز بها جنين الإنسان.

إن الجنين الإنساني مزود بخصائص معينة هي التي تسلك به طريقه الإنساني فيما بعد. وهو ينشأ «خَلْقاً آخَرَ» في آخر أطواره الجنينية بينما يقف الجنين الحيواني عند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015