مفرق الطريق بين الاتجاه المحيي وبين الاتجاه المميت

قال تعالى: «أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ: أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ» ..

لقد كان مشركوا مكة يستعجلون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. وكلما امتد بهم الأجل ولم ينزل بهم العذاب زادوا استعجالا، وزادوا استهزاء، وزادوا استهتارا وحسبوا أن محمدا يخوفهم ما لا وجود له ولا حقيقة، ليؤمنوا له ويستسلموا. ولم يدركوا حكمة اللّه في إمهالهم ورحمته في إنظارهم ولم يحاولوا تدبر آياته في الكون، وآياته في القرآن. هذه الآيات التي تخاطب العقول والقلوب، خيرا من خطابها بالعذاب! والتي تليق بالإنسان الذي أكرمه اللّه بالعقل والشعور، وحرية الإرادة والتفكير.

وجاء مطلع السورة حاسما جازما: «أَتى أَمْرُ اللَّهِ» .. يوحي بصدور الأمر وتوجه الإرادة وهذا يكفي لتحققه في الموعد الذي قدره اللّه لوقوعه «فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ» فإن سنة اللّه تمضي وفق مشيئته، لا يقدمها استعجال. ولا يؤخرها رجاء. فأمر اللّه بالعذاب أو بالساعة قد قضي وانتهى، أما وقوعه ونفاذه فسيكون في حينه المقدر، لا يستقدم ساعة ولا يتأخر.

وهذه الصيغة الحاسمة الجازمة ذات وقع في النفس مهما تتماسك أو تكابر، وذلك فوق مطابقتها لحقيقة الواقع فأمر اللّه لا بد واقع، ومجرد قضائه يعد في حكم نفاذه، ويتحقق به وجوده، فلا مبالغة في الصيغة ولا مجانبة للحقيقة، في الوقت الذي تؤدي غايتها من التأثر العميق في الشعور.

فأما ما هم عليه من شرك باللّه الواحد، وتصورات مستمدة من هذا الشرك فقد تنزه اللّه عنه وتعالى: «سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» بكل صوره وأشكاله، الناشئة عن هبوط في التصور والتفكير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015