مفرق الطريق بين من يعمل للدنيا والآخرة وبين من يعمل للدنيا

قال تعالى: «وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» .. وهذه خاتمة السمات. الخاتمة التي تربط الدنيا بالآخرة، والمبدأ بالمصير، والعمل بالجزاء والتي تشعر الإنسان أنه ليس لقى مهملا، وأنه لم يخلق عبثا، ولن يترك سدى وأن العدالة المطلقة في انتظاره، ليطمئن قلبه، وتستقر بلابله، ويفيء إلى العمل الصالح، وإلى عدل اللّه ورحمته في نهاية المطاف.

واليقين بالآخرة هو مفرق الطريق بين من يعيش بين جدران الحس المغلقة، ومن يعيش في الوجود المديد الرحيب. بين من يشعر أن حياته على الأرض هي كل ما له في هذا الوجود، ومن يشعر أن حياته على الأرض ابتلاء يمهد للجزاء، وأن الحياة الحقيقية إنما هي هنالك، وراء هذا الحيز الصغير المحدود. (?)

والذين يتحدثون عن «الغيبية» و «العلمية» يتحدثون كذلك عن «الحتمية التاريخية» كأن كل المستقبل مستيقن! و «العلم» في هذا الزمان يقول: إن هناك «احتمالات» وليست هنالك «حتميات»! ولقد كان ماركس من المتنبئين «بالحتميات»! ولكن أين نبوءات ماركس اليوم؟

لقد تنبأ بحتمية قيام الشيوعية في انجلترا، نتيجة بلوغها قمة الرقي الصناعي ومن ثم قمة الرأسمالية في جانب والفقر العمالي في جانب آخر .. فإذا الشيوعية تقوم في أكثر الشعوب تخلفا صناعيا .. في روسيا والصين وما إليها .. ولا تقوم قط في البلاد الصناعية الراقية! ولقد تنبأ لينين وبعده ستالين بحتمية الحرب بين العالم الرأسمالي والعالم الشيوعي. وها هو ذا خليفتهما «خروشوف» يحمل راية «التعايش السلمي»! ولا نمضي طويلا مع هذه «الحتميات» التنبؤية! فهي لا تستحق جدية المناقشة! إن هنالك حقيقة واحدة مستيقنة هي حقيقة الغيب، وكل ما عداها احتمالات. وإن هنالك حتمية واحدة هي وقوع ما يقضي به اللّه ويجري به قدره. وقدر اللّه غيب لا يعلمه إلا هو. وإن هنالك - مع هذا وذلك - سننا للكون ثابتة، يملك الإنسان أن يتعرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015