وهو سؤال لا يحق لأحد أن يسأله إلا أن يكون قد أحاط علما بحقيقة اللّه سبحانه وطبيعة ذاته الإلهية، كما أحاط علما بكل خصائص الإنسان التي أودعها اللّه إياه. وهو مالا يدعيه أحد يحترم عقله، ويعرف حدود هذا العقل. بل يعرف أن خصائص الإنسان القابلة للكشف ما يزال يكشف منها جديد بعد جديد، ولم يقف العلم بعد حتى يقال: إنه أدرك كل الخصائص الإنسانية القابلة للإدراك. فضلا على أنه ستبقى وراء إدراك العلم والعقل دائما آفاق من المجهول بعد آفاق! ففي الإنسان إذن طاقات مجهولة لا يعلمها إلا اللّه. واللّه أعلم حيث يجعل رسالته في الإنسان ذي الطاقة التي تحمل هذه الرسالة. وقد تكون هذه الطاقة مجهولة للناس، ومجهولة لصاحبها نفسه قبل الرسالة. ولكن اللّه الذي نفخ في هذا الإنسان من روحه عليم بما تنطوي عليه كل خلية، وكل بنية، وكل مخلوق وقادر على أن يطوع لإنسان هذا الاتصال الخاص بكيفية لا يدركها إلا من ذاقها وأوتيها.

ولقد جهد ناس من المفسرين المحدثين في إثبات الوحي عن طريق العلم للتقريب. ونحن لا نقر هذا المنهج من أساسه. فللعلم ميدان. هو الميدان الذي يملك أدواته. وللعلم آفاق هي الآفاق التي يملك أدوات كشفها ومراقبتها. والعلم لم يدع أنه يعرف شيئا حقيقيا عن الروح. فهي ليست داخلة في نطاق عمله، لأنها ليست شيئا قابلا للاختبار المادي الذي يملك العلم وسائله. لذلك تجنب العلم الملتزم للأصول العلمية أن يدخل في ميدان الروح. أما ما يسمى «بالعلوم الروحانية» فهي محاولات وراءها الريب والشكوك في حقيقتها وفي أهدافها كذلك! (?)

ولا سبيل إلى معرفة شيء يقيني في هذا الميدان إلا ما جاءنا من مصدر يقيني كالقرآن والحديث وفي الحدود التي جاء فيها بلا زيادة ولا تصرف ولا قياس. إذ أن الزيادة والتصرف والقياس عمليات عقلية. والعقل هنا في غير ميدانه، وليس معه أدواته. لأنه لم يزود بأدوات العمل في هذا الميدان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015