مفرق الطريق بين من يصدق بالوحي وبين من لا يصدِّقه

قال تعالى: «تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ» .. الحكيم الذي يخاطب البشر بما يناسب طبائع البشر، ويعرض في هذه السورة جوانب منها صادقة باقية، نجد مصداقها في كل جيل.

والحكيم الذي ينبه الغافلين إلى تدبر آيات اللّه في صفحة الكون وتضاعيفه. في السماء والأرض. وفي الشمس والقمر. وفي الليل والنهار .. وفي مصارع القرون الأولى. وفي قصص الرسل فيهم .. وفي دلائل القدرة الكامنة والظاهرة في هذا الوجود .. «أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قالَ الْكافِرُونَ. إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ»:

سؤال استنكاري. يستنكر هذا العجب الذي تلقى به الناس حقيقة الوحي منذ كانت الرسل.

لقد كان السؤال الدائم الذي قوبل به كل رسول: أبعث اللّه بشرا رسولا؟ ومبعث هذا السؤال هو عدم إدراك قيمة «الإنسان».عدم إدراك الناس أنفسهم لقيمة «الإنسان» الذي يتمثل فيهم. فهم يستكثرون على بشر أن يكون رسول اللّه، وأن يتصل اللّه به - عن طريق الوحي - فيكلفه هداية الناس. إنهم ينتظرون أن يرسل اللّه ملكا أو خلقا آخر أعلى رتبة من الإنسان عند اللّه. غير ناظرين إلى تكريم اللّه لهذا المخلوق ومن تكريمه أن يكون أهلا لحمل رسالته وأن يختار من بين أفراده من يتصل باللّه هذا الاتصال الخاص.

هذه كانت شبهة الكفار المكذبين على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشبهة أمثالهم في القرون الأولى.

فأما في هذا العصر الحديث فيقيم بعض الناس من أنفسهم لأنفسهم شبهة أخرى لا تقل تهافتا عن تلك! إنهم يسألون: كيف يتم الاتصال بين بشر ذي طبيعة مادية وبين اللّه المخالف لطبيعة كل شيء مما خلق. والذي ليس كمثله شيء؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015