مفرق الطريق بين العبودية للّه وحده والعبودية للهوى

قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال:41]

نقف أمام وصف اللّه - سبحانه - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «عبدنا» في هذا الموضع الذي يرد إليه فيه أمر الغنائم كلها ابتداء، وأمر الخمس المتبقي أخيرا: «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ، وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» ..

إنه وصف موح .. إن العبودية للّه هي حقيقة الإيمان وهي في الوقت ذاته أعلى مقام للإنسان يبلغ إليه بتكريم اللّه له فهي تجلى وتذكر في المقام الذي يوكل فيه إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - التبليغ عن اللّه، كما يوكل إليه فيه التصرف فيما خوله اللّه.

وإنه لكذلك في واقع الحياة! إنه لكذلك مقام كريم .. أكرم مقام يرتفع إليه الإنسان ..

إن العبودية للّه وحده هي العاصم من العبودية للهوى، والعاصم من العبودية للعباد .. وما يرتفع الإنسان إلى أعلى مقام مقدر له، إلا حين يعتصم من العبودية لهواه كما يعتصم من العبودية لسواه.

إن الذين يستنكفون أن يكونوا عبيدا للّه وحده، يقعون من فورهم ضحايا لأحط العبوديات الأخرى.

يقعون من فورهم عبيدا لهواهم وشهواتهم ونزواتهم ودفعاتهم فيفقدون من فورهم إرادتهم الضابطة التي خص اللّه بها نوع «الإنسان» من بين سائر الأنواع وينحدرون في سلم الدواب فإذا هم شر الدواب، وإذا هم كالأنعام بل هم أضل، وإذا هم أسفل سافلين بعد أن كانوا - كما خلقهم اللّه - في أحسن تقويم.

كذلك يقع الذين يستنكفون أن يكونوا عبيدا للّه في شر العبوديات الأخرى وأحطها .. يقعون في عبودية العبيد من أمثالهم، يصرفون حياتهم وفق هواهم، ووفق ما يبدو لهم من نظريات واتجاهات قصيرة النظر، مشوبة بحب الاستعلاء، كما هي مشوبة بالجهل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015