ثم .. إنه المنهج الوحيد الذي يتحرر فيه الإنسان من العبودية للإنسان .. ففي كل منهج - غير المنهج الإسلامي - يتعبد الناس الناس. ويعبد الناس الناس. وفي المنهج الإسلامي - وحده - يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده بلا شريك ..
إن أخص خصائص الألوهية - كما أسلفنا - هي الحاكمية .. والذي يشرع لمجموعة من الناس يأخذ فيهم مكان الألوهية ويستخدم خصائصها. فهم عبيده لا عبيد اللّه، وهم في دينه لا في دين اللّه.
والإسلام حين يجعل الشريعة للّه وحده، يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده، ويعلن تحرير الإنسان. بل يعلن «ميلاد الإنسان» .. فالإنسان لا يولد، ولا يوجد، إلا حيث تتحرر رقبته من حكم إنسان مثله وإلا حين يتساوى في هذا الشأن مع الناس جميعا أمام رب الناس ..
إن هذه القضية التي تعالجها نصوص هذا الدرس هي أخطر وأكبر قضايا العقيدة .. إنها قضية الألوهية والعبودية. قضية العدل والصلاح. قضية الحرية والمساواة. قضية تحرر الإنسان - بل ميلاد الإنسان - وهي من أجل هذا كله كانت قضية الكفر أو الإيمان، وقضية الجاهلية أو الإسلام .. (?)
والجاهلية ليست فترة تاريخية إنما هي حالة توجد كلما وجدت مقوّماتها في وضع أو نظام .. وهي في صميمها الرجوع بالحكم والتشريع إلى أهواء البشر، لا إلى منهج اللّه وشريعته للحياة. ويستوي أن تكون هذه الأهواء أهواء فرد، أو أهواء طبقة، أو أهواء أمة، أو أهواء جيل كامل من الناس .. فكلها .. ما دامت لا ترجع إلى شريعة اللّه .. أهواء ..
يشرع فرد لجماعة فإذا هي جاهلية. لأن هواه هو القانون .. أو رأيه هو القانون .. لا فرق إلا في العبارات! وتشرع طبقة لسائر الطبقات فإذا هي جاهلية. لأن مصالح تلك الطبقة هي القانون - أو رأي الأغلبية البرلمانية هو القانون - فلا فرق إلا في العبارات!