فلا يهولننا ما نلقاه من نصرة الملحدين والمشركين والصليبيين لليهود. فهم في كل زمان ينصرونهم على الإسلام والمسلمين .. فليست هذه هي النصرة .. ولكن كذلك لا يخدعننا هذا. فإنما يتحقق هذا الأمر للمسلمين! يوم يكونون مسلمين! وليحاول المسلمون أن يجربوا - مرة واحدة - أن يكونوا مسلمين. ثم يروا بأعينهم إن كان يبقى لليهود نصير. أو أن ينفعهم هذا النصير! وبعد التعجيب من أمرهم وموقفهم وقولهم وإعلان اللعنة عليهم والخذلان .. يأخذ في استنكار موقفهم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين وغيظهم من أن يمن اللّه عليهم هذه المنة .. منة الدين والنصر والتمكين. وحسدهم لهم على ما أعطاهم اللّه من فضله. وهم لم يعطوهم من عندهم شيئا! (?)
لقد جاءت العقيدة الإسلامية لتقذف بالحق على الباطل فتدمغه فإذا هو زاهق، ولترد إلى التصور الإيماني وضوحه وبساطته وصدقه وواقعيته، ولتخلص صورة النبوة وصورة النبي من تلك الخرافات والأساطير والأوهام والأضاليل، التي شاعت في الجاهليات كلها. وكان أقربها إلى مشركي العرب جاهليات أهل الكتاب من اليهود والنصارى على اختلاف الملل والنحل بينهم، وكلها تشترك في تشويه صورة النبوة وصورة النبي أقبح تشويه!
وبعد بيان حقيقة الرسالة وحقيقة الرسول، وتقديمها للناس مبرأة من كل ما علق بصورة النبوة وصورة النبي من أوهام وأضاليل. يقدم القرآن عقيدته للناس مجردة من كل إغراء خارج عن طبيعتها، ومن كل زينة زائدة عن حقيقتها .. فالرسول الذي يقدمها للناس بشر، لا يملك خزائن اللّه، ولا يعلم الغيب، ولا يقول لهم: إني ملك .. وهو لا يتلقى إلا من ربه، ولا يتبع إلا ما يوحى إليه منه. والذين يقبلون دعوته هم أكرم البشر عند اللّه، وعليه أن يلزمهم، وأن يهش لهم، وأن يبلغهم ما كتبه اللّه لهم على نفسه من الرحمة والمغفرة.
كما أن عليه إنذار الذين تتحرك ضمائرهم من خشية الآخرة ليصلوا إلى مرتبة التقوى، وفي هذا وذلك تنحصر وظيفته، كما أنه في «البشرية» وفي «تلقي الوحي»