ولما تسلم السلطان حلب سلمها إلى حاجبه الأمير قسيم الدولة آق سنقر في هذه السنة - أعنى سنة تسع وسبعين وأربعمأئة - وقيل بل سلّمها إليه سنة ثمانين، فاستولى عليها وعلى أعمالها: كمنبج، واللاذقية، وكفر طاب؛ وأقطع السلطان مدينة الرّها مجاهد الدولة بزان (?)، وأقطع أنطاكية الأمير ياغى سيان (?)؛ وظهرت كفاية الأمير قسيم الدولة وحمايته، وعظمت هيبته في جميع بلاده.
ثم إن السلطان استدعاه إلى العراق فقدم عليه في تجمل عظيم، ولم يكن في عسكر السلطان من يقاربه، فاستحسن ذلك منه، وعظم محله عنده، ثم أمره بالعود إلى حلب، فعاد إليها، ورخصت الأسعار في أيام الأمير قسيم الدولة، وأقيمت الحدود الشرعية، وعمرت الطرقات، وأمنت السبل، وقتل المفسدون بكل فج، وكان كلما سمع يفسد أو بقاطع طريق أمر بصلبه على أبواب المدينة.
وفى سنة إحدى وثمانين وأربعمائة جمع الأمير قسيم الدولة عسكره، وقصد شيزر وحاصرها وصاحبها نصر بن على بن منقذ، وضايقها ونهب ربضها، ثم صالحه صاحبها وعاد إلى حلب.