يستطيع عالم من علماء عصرنا الحديث - مهما يبلغ علمه وجهده - أن يحققه بمفرده. وكانت النتيجة الحتمية لهذا الوضع، أن يبدأ العمل في تحقيق الموسوعة بداية تتصف بالنشاط والحماسة - وربما السرعة في الإنجاز - وما زال هذا العالم أو ذلك يطلق العنان لحماسته وجهده، حتى يضطره قانون الطبيعة إلى الرضوخ، فيجد نفسه وقد نفدت طاقته وعجزت قدرته عن الاستمرار في المضى في حمل الأمانة، فيتوقف العمل بطريقة تلقائية قد تكون تدريجية وقد تكون مفاجئة.
على أن توقف العمل في إنجاز تحقيق بعض جوانب التراث العربى على هذه الصورة، لا ينبغى - من وجهة نظرنا - أن يكون أكثر من نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى. فالأمانة تقع على كواهل الأجيال المتعاقبة لا على كاهل جيل بعينه. وإذا كان الجيل السابق قد وضع حجر الأساس في بناء حركة إحياء التراث العربى، فلا أقل من أن ينهض الجيل اللاحق بالأمانة كاملة، فينهض بدوره ويؤدى واجبه في إتمام البناء الكبير.
وهكذا أرى أنه قبل أن نفكر في الشروع في تحقيق وإحياء جانب جديد من جوانب تراثنا العربى، فإنه يجب أن نستكمل أولا الجوانب السابقة التي بدأ بالعمل فيها الجيل أو الأجيال السابقة. وتنفيذا لهذا المبدأ بدأنا باستكمال تحقيق كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزى، وهو الكتاب الذى أتم أستاذنا المرحوم الدكتور محمد مصطفى زيادة تحقيق نصفه ممثلا في الجزأين الأول والثانى. وكان أن نهضنا نحن بتحقيق النصف الباقى من كتاب السلوك ممثلا في الجزأين الثالث والرابع، وانتهينا تماما من تحقيقه حتى نهايته، ونرجو أن تفرغ مطبعة دار الكتب المصرية من استكمال طبعه قريبا.