وترويض مخيلها، وبث الأمنة على أوساطها، وإهداء الغبطة إلى أفئدة أهلها حتى تسمع باغتباطها، وعند ذلك يتحدث كل منهم بلسان الشكور، ويتمثل بقوله تعالى: ({بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}).
واعلم أنه قد يجاورك في بعضها جبران ذو بلاد وعساكر، وأسرة ومنابر، وأوائل للمجد وأواخر، وما منهم إلا من يتمسك منا بود سليم، وعهد قديم، وله مساعدة نعرف له حقها (والحق يعرفه الكريم).
فكن لهؤلاء جارا يودون جواره، ويحمدون آثاره، وإن سألوك عهدا فابذله لهم بذل وفىّ واقف على السنن، مساو بين السر والعلن، ولا يكن وفاؤك لخوف تتّقى مراصده، ولا لرجاء ترقب فوائده، فالله قد أغناك أن تكون إلى المعاهدة لاجيا، وجعلك بنا مخوفا ومرجوا لا خائفا ولا راجيا، وقد زدناك فضلة في محلك تكون بها على غيرك مفضلا، وقد كنت من قبلها أعز فأوفت بك أغر محجلا، وذاك أنّا جعلناك على آية الخيل تقودها إلى خوض الغمار، وتصرفها في منارل الأسفار، وترتب قلوبها وأجنحتها على اختلاف مراتب الأطوار، فنحن لا نلقى عدوا ولا ننهد إلى بلد إلا وأنت كوكبنا الذى نهتدى بمطلعه، ومفتاحنا الذى نستفتح المغلق بيمن موقعه، ونوقن بالنصر في ذهابه وبالغنيمة في مرجعه، والله يشرح لك صدرا، وبيسر لك منا أمرا، ويشد أزرنا بك كما شد لموسى بأخيه أزرا، والسلام.