فيعجب بِهِ وَهُوَ لَا يبشر بِهِ وَلَا يردهُ وَفِي بعض الحَدِيث أَن رَسُول الله كَانَ يعجب بالأترج وَيُعْجِبهُ الْحمام الْأَحْمَر وتعجبه الفاغية وَهُوَ نور الْحِنَّاء وَهَذَا مثل إعجابه بِالِاسْمِ الْحسن والفأل الْحسن وعَلى حسب هَذَا كَانَت كَرَاهِيَة الِاسْم الْقَبِيح كبني النَّار وَبني حراق وَأَشْبَاه هَذَا انتهي كَلَامه وَقد سلك أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي هَذَا الحَدِيث نَحوا من مَسْلَك أَبى مُحَمَّد بن قُتَيْبَة فَقَالَ أما قَوْله لَا عدوى فَهُوَ نهى أَن يَقُول أحد إِن شَيْئا يعدى شَيْئا وإخبار أَن شيئالا يعدى شَيْئا فَكَأَنَّهُ لَا يعدى شَيْء شَيْئا يَقُول لَا يُصِيب أحد من أحد شَيْئا من خلق أَو فعل أَو دَاء أَو مرض وَكَانَت الْعَرَب تَقول فِي جَاهِلِيَّتهَا فِي مثل هَذَا أَنه إِذا اتَّصل شَيْء من ذَلِك بِشَيْء أَعدَاء فَأخْبرهُم رَسُول الله أَن قَوْلهم واعتقادهم فِي ذَلِك لَيْسَ كَذَلِك وَنهى عَن ذَلِك القَوْل إعلاما مِنْهُ بأنما اعْتقد ذَلِك من اعْتقد مِنْهُم كَانَ بَاطِلا قَالَ وَأما الممرض فَالَّذِي إبِله مراض والمصح الَّذِي إبِله صِحَاح وروى ابْن وهب عَن ابْن لَهِيعَة عَن أَبى الزبير عَن جَابر قَالَ يكره إِن يدْخل الْمَرِيض على الصَّحِيح مِنْهَا وَلَيْسَ بِهِ إِلَّا قَول النَّاس وحماية للقلب مِمَّا يستبق إِلَيْهِ من الإفهام وَيَقَع فِيهِ من التطير والتشاؤم بذلك وَقد قَالَ أَبُو عبيد قولا قَرِيبا من ذَلِك فَقَالَ فِي قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث أَنه إِذا أَبى إِيرَاد الممرض على المصح فَقَالَ معنى الْأَذَى عِنْدِي الماثم يعْنى أَن المورد يَأْثَم بأذاه من أورد عَلَيْهِ وتعريضه للتشاؤم والتطير وَقد سلك بَعضهم مسلكا آخر فَقَالَ مَا يخبر بِهِ النَّبِي نَوْعَانِ:
أَحدهمَا يخبر بِهِ عَن الْوَحْي فَهَذَا خبر مُطَابق لمخبره من جَمِيع الْوُجُوه ذهنا وخارجا وَهُوَ الْخَبَر الْمَعْصُوم وَالثَّانِي مَا يخبر بِهِ عَن ظَنّه من أُمُور الدُّنْيَا الَّتِي هم اعْلَم بهَا مِنْهُ فَهَذَا لَيْسَ فِي رُتْبَة النَّوْع الأول وَلَا تثبت لَهُ أَحْكَامه وَقد أخبر عَن نَفسه الْكَرِيمَة بذلك تفريقا بَين النَّوْعَيْنِ فَإِنَّهُ لما سمع أَصْوَاتهم فِي النّخل يؤبرونها وَهُوَ التلقيح قَالَ مَا هَذَا فأخبروه بِأَنَّهُم يلقحونها فَقَالَ مَا أرى لَو تَرَكْتُمُوهُ يضوء شَيْئا فَتَرَكُوهُ فجَاء شيصا فَقَالَ إِنَّمَا أَخْبَرتكُم عَن ظَنِّي وَأَنْتُم أعلم بِأَمْر دنياكم وَلَكِن مَا أَخْبَرتكُم عَن الله والْحَدِيث صَحِيح مَشْهُور وَهُوَ من أَدِلَّة بنوية وأعلامها فَأن من خَفِي عَلَيْهِ مثل هَذَا من أَمر الدِّينَا وَمَا أجْرى الله بِهِ عَادَته فِيهَا ثمَّ جَاءَ من الْعُلُوم الَّتِي لَا يُمكن الْبشر أَن يطلع عَلَيْهَا الْبَتَّةَ إِلَّا بِوَحْي من الله فَأخْبر عَمَّا كَانَ وَمَا يكون وَمَا هُوَ كَائِن من لدن خلق الْعَالم إِلَى أَن اسْتَقر أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة وَأهل النَّار فِي النَّار وَعَن غيب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَعَن كل سَبَب دَقِيق أَو جليل تنَال بِهِ سَعَادَة الدَّاريْنِ وكل سَبَب دَقِيق أَو جليل تنَال بِهِ شقاوة الدَّاريْنِ وَعَن مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وأسبابهما مَعَ كَون معرفتهم بالدنيا وأمورها وَأَسْبَاب حُصُولهَا ووجوه تَمامهَا أَكثر من مَعْرفَته كَمَا أَنهم أعرف بِالْحِسَابِ والهندسة والصناعات والفلاحة وَعمارَة الأَرْض وَالْكِتَابَة فَلَو كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مِمَّا ينَال بالتعلم والتفكر والتطير والطرق الَّتِي