الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ أَنه دَاء وَيكرهُ أحدهم أَن يعطس وَيَوَد أَنه لم يصدر مِنْهُ لما فِي ذَلِك من الشؤم وَكَانَ الْعَاطِس يحبس نَفسه عَن العطاس وَيمْتَنع من ذَلِك جهده من سوء اعْتِقَاد جهالهم فِيهِ وَلذَلِك وَالله أعلم بنوا لَفظه على بِنَاء الأدواء كالزكام والسعال والدوار والسهام وَغَيرهَا فاعلموا أَنه لَيْسَ بداء وَلكنه أَمر يُحِبهُ الله وَهُوَ نعْمَة مِنْهُ يسْتَوْجب عَلَيْهَا من عَبده أَن يحمده عَلَيْهَا وَفِي الحَدِيث الْمَرْفُوع أَن الله يحب العطاس وَيكرهُ التثاؤب والعطاس ريح مختنقة تخرج وتفتح السد من الكبد وَهُوَ دَلِيل جيد للْمَرِيض مُؤذن بانفراج بعض علته وَفِي بعض الْأَمْرَاض يسْتَعْمل مَا يعطس العليل وَيجْعَل نوعا من العلاج ومعينا عَلَيْهِ هَذَا قدر زَائِد على مَا أحبه الشَّارِع من ذَلِك وَأمر بِحَمْد الله عَلَيْهِ وبالدعاء لمن صدر مِنْهُ وَحمد الله عَلَيْهِ وَلِهَذَا فَالله أعلم يُقَال شمته إِذا قَالَ لَهُ يَرْحَمك الله وسمته بِالْمُعْجَمَةِ والمهملة وَبِهِمَا روى الحَدِيث فَأَما التسميت بِالْمُهْمَلَةِ فَهُوَ تفعيل من السمت الَّذِي يُرَاد بِهِ حسن الْهَيْئَة وَالْوَقار فَيُقَال لفُلَان سمت حسن فَمَعْنَى سمت الْعَاطِس وقرته وأكرمته وتأدبت مَعَه بأدب الله وَرَسُوله فِي الدُّعَاء لَهُ لَا بأخلاق أهل الْجَاهِلِيَّة من الدُّعَاء عَلَيْهِ والتطير بِهِ والتشاؤم مِنْهُ وَقيل سمته دَعَا لَهُ أَن يُعِيدهُ الله إِلَى سمته قبل العطاس من السّكُون وَالْوَقار وطمأنينه الْأَعْضَاء فَإِن فِي العطاس من انزعاج الْأَعْضَاء واضطر ابها مَا يخرج الْعَاطِس عَن سمته فَإِذا قَالَ لَهُ السَّامع يَرْحَمك الله فقد دَعَا لَهُ أَن يُعِيدهُ إِلَى سمته وهيئته وَأما التشميت بِالْمُعْجَمَةِ فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم ابْن السّكيت وَغَيره أَنه بِمَعْنى التسميت وأنهما لُغَتَانِ ذكر ذَلِك فِي كتاب الْقلب والإبدال وَلم يذكر أَيهمَا الأَصْل وَلَا أَيهمَا الْبَدَل وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي الْمُهْملَة هِيَ الأَصْل فِي الْكَلِمَة والمعجمة بدل وَاحْتج بِأَن الْعَاطِس إِذا عطس انتفش وَتغَير شكل وَجهه فَإِذا دَعَا لَهُ فَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ إِلَى سمته وهيأته وَقَالَ تِلْمِيذه ابْن جنى لَو جعل جَاعل الشين الْمُعْجَمَة أصلا وَأَخذه من الشوامت وَهِي القوائم لَكَانَ وَجها صَحِيحا وَذَلِكَ أَن القوائم هِيَ الَّتِي تحمل الْفرس وَنَحْوه وَبِهِمَا عصمته وَهِي قوامه فَكَأَنَّهُ إِذا دَعَا لَهُ فقد أنهضه وَثَبت امْرَهْ وَأحكم دعائمه وَأنْشد للنابغة

طوع الشامت من خوف وَمن صرد ... وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم ابْن الْأَعرَابِي يُقَال مَرضت العليل أَي قُمْت عَلَيْهِ ليزول مَرضه وَمثله قذيت عينه أزلت قذاها فَكَأَنَّهُ لما دَعَا لَهُ بِالرَّحْمَةِ قد قصد إِزَالَة الشماته عَنهُ وينشد فِي ذَلِك:

مَا كَانَ ضرّ الممرضي بجفونه ... لَو كَانَ مرض منعما من أمرضا

وَإِلَى هَذَا ذهب ثَعْلَب

وَالْمَقْصُود أَن التطير من العطاس من فعل الْجَاهِلِيَّة الَّذِي أبْطلهُ الْإِسْلَام وَأخْبر النَّبِي أَن الله يحب العطاس كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ حَدِيث أبي هريره عَن النَّبِي قَالَ إِن الله يحب العطاس وَيكرهُ التثاؤب فَإِذا تثاءب أحدكُم فليستره مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهُ إِذا فتح فَاه فَقَالَ آه آه ضحك مِنْهُ الشَّيْطَان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015