عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَالله امرنا بهَا قل إِن الله لَا يَأْمر بالفحشاء أتقولون على الله مَالا تعلمُونَ فَقَوله قل إِن الله لَا يَأْمر بالفحشاء دَلِيل على أَنَّهَا فِي نَفسهَا فحشاء وَأَن الله لَا يَأْمر بِمَا يكون كَذَلِك وانه يتعالى ويتقدس عَنهُ وَلَو كَانَ كَونه فَاحِشَة إِنَّمَا علم بِالنَّهْي خَاصَّة كَانَ بِمَنْزِلَة أَن يُقَال إِن الله لَا يَأْمر بِمَا ينْهَى عَنهُ وَهَذَا كَلَام يصان عَنهُ آحَاد الْعُقَلَاء فَكيف بِكَلَام رب الْعَالمين ثمَّ أكد سُبْحَانَهُ هَذَا الْإِنْكَار بقوله {قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهكُم عِنْد كل مَسْجِد وادعوه مُخلصين لَهُ الدّين} فَأخْبر انه يتعالى عَن الْأَمر بالفحشاء بل أوامره كلهَا حَسَنَة فِي الْعُقُول مَقْبُولَة فِي الْفطر فَإِنَّهُ أَمر بِالْقِسْطِ لَا بالجور وبإقامة الْوُجُوه لَهُ عِنْد مساجده لَا لغيره وبدعوته وَحده مُخلصين لَهُ الدّين لَا بالشرك فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَأْمر بِهِ تَعَالَى لَا بالفحشاء أَفلا ترَاهُ كَيفَ يخبر بِحسن مَا يَأْمر بِهِ ويحسنه وينزه نَفسه عَن الْأَمر بضده وَأَنه لَا يَلِيق بِهِ تَعَالَى {وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} فاحتج سُبْحَانَهُ على حسن دين الْإِسْلَام وَإنَّهُ لَا شَيْء أحسن مِنْهُ بِأَنَّهُ يتَضَمَّن إِسْلَام الْوَجْه لله وَهُوَ إخلاص الْقَصْد والتوجه وَالْعَمَل لَهُ سُبْحَانَهُ وَالْعَبْد مَعَ ذَلِك محسن آتٍ بِكُل حسن لَا مرتكب للقبح الَّذِي يكرههُ الله بل هُوَ مخلص لرَبه محسن فِي عِبَادَته بِمَا يُحِبهُ ويرضاه وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُتبع لملة إِبْرَاهِيم فِي محبته لله وَحده وإخلاص الدّين لَهُ وبذل النَّفس وَالْمَال فِي مرضاته ومحبته وَهَذَا احتجاج مِنْهُ على أَن دين الْإِسْلَام أحسن الْأَدْيَان بِمَا تضمنه مِمَّا تستحسنه الْعُقُول وَتشهد بِهِ الْفطر وَأَنه قد بلغ الْغَايَة القصوى فِي دَرَجَات الْحسن والكمال وَهَذَا اسْتِدْلَال بِغَيْر الْأَمر الْمُجَرّد بل هُوَ دَلِيل على أَن مَا كَانَ كَذَلِك فحقيق بِأَن يَأْمر بِهِ عباده وَلَا يرضى مِنْهُم سواهُ وَمثل هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين} فَهَذَا احتجاج بِمَا ركب فِي الْعُقُول وَالْفطر لِأَنَّهُ لَا قَول للْعَبد أحسن من هَذَا القَوْل وَقَالَ تَعَالَى فبظلم من الَّذين هادوا حرمنا عَلَيْهِم مَعَ كَونه طَيّبَات أحلّت لَهُم فَأَي شَيْء أصرح من هَذَا حَيْثُ أخبر سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ حرمه عَلَيْهِم مَعَ كَونه طيبا فِي نَفسه فلولا أَن طيبه أَمر ثَابت لَهُ بِدُونِ الْأَمر لم يكن ليجمع الطّيب وَالتَّحْرِيم وَقد أخبر تَعَالَى أَنه حرم عَلَيْهِم طَيّبَات كَانَت حَلَالا عُقُوبَة لَهُم فَهَذَا تَحْرِيم عُقُوبَة بِخِلَاف التَّحْرِيم على هَذِه الْأمة فَإِنَّهُ تَحْرِيم صِيَانة وحماية وَلَا فرق عِنْد النفاة بَين الْأَمريْنِ بل الْكل سَوَاء فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمر عباده بِمَا أَمرهم بِهِ رَحْمَة مِنْهُ وإحسانا وإنعاما عَلَيْهِم لآن صَلَاحهمْ فِي معاشهم وأبدانهم وأحوالهم وَفِي معادهم ومآلهم إِنَّمَا هُوَ بِفعل مَا أمروا بِهِ وَهُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الْغذَاء الَّذِي لَا قوام للبدن إِلَّا بِهِ بل أعظم وَلَيْسَ مُجَرّد تَكْلِيف وابتلاء كَمَا يَظُنّهُ كثير من النَّاس ونهاهم عَمَّا نَهَاهُم عَنهُ صِيَانة وحمية لَهُم إِذْ لَا بَقَاء لصحتهم وَلَا حفظ لَهَا إِلَّا بِهَذِهِ الحمية فَلم يَأْمُرهُم حَاجَة مِنْهُ إِلَيْهِم وَهُوَ الْغنى الحميد وَلَا حرم عَلَيْهِم