قَوْله وَلَا الظفر عَلَيْهِ أصلا فانه مُوَافق لكل طَائِفَة على مَا مَعهَا من الْحق مُقَرر لَهُ مُخَالف فِي باطلها مُنكر لَهُ وَلَيْسَ مَعَ النفاة قطّ دَلِيل وَاحِد صَحِيح على نفي الْحسن والقبح العقليين وَإِن الْأَفْعَال المتضادة كلهَا فِي نفس الْأَمر سَوَاء لَا فرق بَينهَا إِلَّا بِالْأَمر وَالنَّهْي وكل أدلتهم على هَذَا بَاطِلَة كَمَا سنذكرها وَنَذْكُر بُطْلَانهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَيْسَ مَعَ الْمُعْتَزلَة دَلِيل وَاحِد صَحِيح قطّ يدل على إِثْبَات الْعَذَاب على مُجَرّد الْقبْح الْعقلِيّ قبل بعثة الرُّسُل وأدلتهم على ذَلِك كلهَا بَاطِلَة كَمَا سنذكرها وَنَذْكُر بُطْلَانهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِمَّا يدل على ذَلِك أَيْضا أَنه سُبْحَانَهُ يحْتَج على فَسَاد مَذْهَب من عبد غَيره بالأدلة الْعَقْلِيَّة الَّتِي تقبلهَا الْفطر والعقول وَيجْعَل مَا رَكبه فِي الْعُقُول من حسن عبَادَة الْخَالِق وَحده وقبح عبَادَة غَيره من أعظم الْأَدِلَّة على ذَلِك وَهَذَا فِي الْقُرْآن أَكثر من أَن يذكر هَهُنَا وَلَوْلَا أَنه مُسْتَقر فِي الْعُقُول وَالْفطر حسن عِبَادَته وشكره وقبح عبَادَة غَيره وَترك شكره لما احْتج عَلَيْهِم بذلك أصلا وَإِنَّمَا كَانَت الْحجَّة فِي مُجَرّد الْأَمر وَطَرِيقَة الْقُرْآن صَرِيحَة فِي هَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون الَّذِي جعل لكم الأَرْض فراشا وَالسَّمَاء بِنَاء وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم فَلَا تجْعَلُوا لله أندادا وَأَنْتُم تعلمُونَ} فَذكر سُبْحَانَهُ أَمرهم بِعِبَادَتِهِ وَذكر اسْم الرب مُضَافا إِلَيْهِم لمقْتَضى عبوديتهم لرَبهم ومالكهم ثمَّ ذكر ضروب أنعامه عَلَيْهِم بإيجادهم وَإِنَّمَا من قبلهم وَجعل الأَرْض فراشا لَهُم يُمكنهُم الِاسْتِقْرَار عَلَيْهَا وَالْبناء وَالسُّكْنَى وَجعل السَّمَاء بِنَاء وسقفا فَذكر أَرض الْعَالم وسقفه ثمَّ ذكر إِنْزَال مَادَّة أقواتهم ولباسهم وثمارهم منبها بِهَذَا على اسْتِقْرَار حسن عبَادَة من هَذَا شَأْنه وتشكره الْفطر والعقول وقبح الْإِشْرَاك بِهِ وَعبادَة غَيره وَمن هَذَا قَوْله تَعَالَى حاكيا عَن صَاحب ياسين أَنه قَالَ لِقَوْمِهِ محتجا عَلَيْهِم بِمَا تقر بِهِ فطرهم وعقولهم وَمَالِي لَا أعبد الَّذِي فطرني وَإِلَيْهِ ترجعون فَتَأمل هَذَا الْخطاب كَيفَ تَجِد تَحْتَهُ أشرف معنى وأجله وَهُوَ أَن كَونه سُبْحَانَهُ فاطرا لِعِبَادِهِ يَقْتَضِي عِبَادَتهم لَهُ وَأَن من كَانَ مفطورا مخلوقا فحقيق بِهِ أَن يعبد فاطره وخالقه وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ مرده إِلَيْهِ فمبدأه مِنْهُ ومصيره إِلَيْهِ وَهَذَا يُوجب عَلَيْهِ التفرغ لعبادته ثمَّ احْتج عَلَيْهِم بِمَا تقر بِهِ عُقُولهمْ وفطرهم من قبح عبَادَة غَيره وَإِنَّهَا أقبح شَيْء فِي الْعقل وَأنْكرهُ فَقَالَ أأتخذ من دونه آلِهَة إِن يردني الرَّحْمَن بضر لَا تغن عني شفاعتهم شَيْئا وَلَا ينقذون إِنِّي إِذا لفي ضلال مُبين أَفلا ترَاهُ كَيفَ لم يحْتَج عَلَيْهِم بِمُجَرَّد الْأَمر بل احْتج عَلَيْهِم بِالْعقلِ الصَّحِيح وَمُقْتَضى الْفطْرَة وَمن هَذَا قَوْله تَعَالَى يَا أَيهَا النَّاس ضرب مثل فَاسْتَمعُوا لَهُ إِن الَّذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا وَلَو اجْتَمعُوا لَهُ وَأَن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا لَا يستنقذوه مِنْهُ ضعف الطَّالِب وَالْمَطْلُوب مَا قدرُوا الله حق قدرهإن الله لقوي عَزِيز فَضرب لَهُم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015